سونيتات

فاطمة الشيدية –

1.

في رمال الشرقية؛ لم أفهم فيم كانت تفكر المرأة الحامل وهي تضع يدها على بطنها، وتتلفت يمنة ويسرة قبل أن تدلف لأي مكان في المكان

هل كانت ترقي جنينها؟ أم تسأله الوجهة التي يريد أن تسلكها كبوصلة عشق داخلية

كما لم أفهم نظرة الرجل العجوز للطفل الذي كان يسبح في الرمال كأنه البحر تماما، وللطفلة التي تحلق كفراشة على دراجة تحرث الرمل

تبادر لذهني أنه يغبطهما لكل تلك الخفة

ولكن دائما ثمة احتمالات أخرى

تماما كما لم أفهم النشيج الغريب في صوت المغني، وهو يغني أغنية جارحة لطلال مداح

ولا الضحكات المتناثرة في المدى، وعلاقتها بهديل الحمام الذي كان يشتعل في خلفية رأسي ما أن أسمعهم

ولا حتى الفرح البادي على محيا السماء، بينما تكركر الأرض كأم ممتلئة تحت أقدام الصغار

كما لم أستوعب الكثير من الجمال العالق في أهداب السمرة الحسناء التي كانت تلوّح لنا، وتبتسم بغنج أخاذ في غابة السمر المحاذية للمكان ونحن نغادر

ولا حتى ذلك الكائن الوديع الذي اختار الموت -بتوقيت دقيق لعاشق قرر الانتحار من فرط اللهفة- على حد عجلاتنا التي كانت تصفر وتغني جذلانة على صوت فيروز

ربما لأنني كنت مشغولة طيلة الوقت بحديث جانبي طويل وشائق مع الرمل، عن الغزاة والليل والحب الذي مر على المكان عبر الزمن


2.

السفر؛ تلك الأجنحة التي نستزرعها بين فينة وأخرى

اللهفة التي نربيها كلما تبلدت المشاعر

أو أعتمت الحياة

أو تقلّصت المسافات بيننا وبين الجديد

ال(هناك)؛ الذي نسعى إليه كلما ران على أرواحنا الضجر

أو تكدس الثلج على عتبات قلوبنا التي لا يدخلها أحد

أو أسنت بحيراتنا الدافئة في مواسم العشق

أو غامت الشمس عن سماواتنا الطروب بالأمل

وفرغت قلوبنا وحقائبنا من الدهشة

واستبد بنا الحنين لما لا نعرف

البعيد الذي يدلل حضورنا خارج ال(هنا)

كلما أورق الفراغ في الحنايا

وأينعت الوحشة في الدروب

المجهول الذي نسعى إليه مقامرين كضربة حظ جذلى

إذا تكور المعلوم ثقيلا

كهم يرزح بثقله على مسامات الخفة داخلنا

النبيل كيد بيضاء لا نعرفها تمسح على جراحنا بحنانات أم

كلما كثرت الطعنات وتعاظم الوهن

العذب كرشفة قهوة عجلى على ناصية غربة ما

المربك كتلويحة عاشق في البدايات

اللاشيء الذي نسعى إليه بشغف الظمآن للماء

كلما أكل الصدأ قلوبنا، واستشرت الحرائق في الجوانح

وليس إلا قليلا حتى نسقط من دواخلنا الوحشة الغامرة

على أرصفة البعيد

ونضحك كثيرا بفرح قصي، ونحن نتشرب صوت ارتطامها المدوي

رويدا رويدا

ونستكشف السراب

لنعود فارغين من الضيم والألم

ممتلئين بالحنين والشوق

نعود جاهزين لرحلة أخرى من اللهاث والعبث

تنتهي باللاجدوى والسعي للبعيد من جديد

3.

أصبح وجود كتاب في المنهج الدراسي؛ يُعنى بغرس القيم الرفيعة وأساليب التعامل الحضارية والإنسانية (الصدق والأمانة والرحمة والعدل والمساواة والتعددية واحترام الآخر وغيرها من القيم) في الوعي المبكر للطفل؛ ضرورة تعليمية حتى يشتد عوده مؤمنا بها ومطبقا لها.

كتاب تشتق قيمه من الدين والحياة معا، ويدرّس بشكل منهجي نظامي إجباري، ويكون متنوعا بين الفعل والتنظير، لننجو بغدنا من تهاوي القيم والتناقض العميق في التكوين الإنساني بين التنظير والتطبيق.

4.

ماذا لو أن كل مسجد في بلادنا (مهما كان صغيرا) يحوي مكتبة تخدم الحي الذي بني فيه، مكتبة متنوعة وغزيرة المعرفة، لكل الفئات العمرية، والتيارات الفكرية الحديثة والماضوية، يمكن أن يساهم أبناء الحي والمنطقة في إثرائها.

ويكون المؤذن هو أمين المكتبة فلا يقصدها الناس وقت الصلاة لأنها تغلق، وربما شجعهم الأمر على الصلاة إذا كانوا يقرؤون بها وحان وقت الصلاة. مكتبة للقراءة العامة، ويمكن استعارة الكتب مجانا لوقت محدد، أو فرض رسوم قليلة تعود لصالح العناية بالمكان أو راتب مساعد لأمين المكتبة.

هنا سيتعدد دور المسجد بين الدنيا والدين، وسيعود للمسجد دوره التاريخي في التثقيف والتنوير والتفكير، فسيكون دوره أكبر من مجرد مكان لأداء العبادة وهي حالة روحية تخص الفرد نفسه. بينما المكتبة حالة مجتمعية تفاعلية، وربما تلقى فيها بعض المحاضرات الثقافية والصحية وكل ما يتعلق بالحالة المجتمعية العامة.

وهنا سيكسب القائمون على المسجد أكثر من أجر ببناء دار عبادة من جهة، ومصنع بناء عقول تذهب بالمجتمع للغد الأجمل من جهة لا تقل أهمية عن الأولى، ولأننا كيانات اجتماعية سياسية في المقام الأول والأخير فكم نحتاج لقرار سياسي لتفعيل هذا الشق القديم والعظيم لدور المسجد!

5.

ليس من ضرورات الوعي ولزوميات الثقافة الخروج على الدين، تماما كما أن الخروج على الحياة والمدنية والثقافة والرجوع للخلف ليس من ضرورات الدين ولزومياته إطلاقا (كما جاء في كتاب الله في الأقل). ولذا يمكن لهما أن يجتمعا ضمن المكونات العميقة والمتعددة للإنسان المتكامل.

فالدين مكون روحي والأجمل أن يظل كذلك، ولذا فليس هناك ضرورة لوجود جبهات متعددة يحارب كل منها في اتجاه (وما يحارب إلا الطواحين) أو يحارب كل منها الآخر، فالدين ليس ضد الحياة، والمدنية ليست ضد الدين.

وباستيعاب هذه الفكرة، ومنح مساحة للكيفية التي يتم بها التعبير عن ذلك، وكل بطريقته وبحرية تامة، يمكن لأم الصدع في ثقافتنا العربية المتشظية منذ زمن بين تيارين يتفرعان أبدا وتكثر الجداول والفئات ويكبر الشرخ كل يوم.


6.

Super Hibrid، لم يكن هذا الفيلم مختلفا عما شاهدته (جبريا حسب العرض)، على مدى شهر ونصف تقريبا من أفلام الأكشن، الذي يبدو أنها الرائجة في دور العرض هذه الأيام، ربما وفقا للطلب وسياسة (الجمهورعايز كدا).

الفيلم الذي يدور حول السيارة الوحش أو الكائنات الغريبة التي تتقمص شكل سيارة وتتنوع في موديلات وأشكال مختلفة منها، وتهاجم البشر وتلتهمهم حين تجوع، في تنويع أمريكي على الغرائبية والخيال العلمي التي تبدو أحيانا كثيرة سمجة ومملة وغير محتملة التصديق، والتي أي هذه الكائنات أصبحت عصرية جدا كما يبدو لتتخذ شكل سيارة.

هذه السيارة/الكائن الذي يجوع ويبحث عن طريدة لالتهامها بين الفينة والأخرى، وبعد عدة حوادث غريبة في الشارع تلتهم خلالها مجموعة أفراد، تصل لكراج سيارات وتبدأ في التهام العاملين فيه حتى يتم التعرف عليها من خبيرة سيارات ذكية، ومن ثم يحاول الفريق التصدي لها ولكنها في النهاية تلتهم أغلب العاملين فيه، قبل أن يتم قتلها ببعض الحكمة والكثير من الحذر من تلك المرأة.

يظهر الفيلم فكرة أن القيادة هي الوعي والحرص على الفريق ومحاولة انقاذه، ولا تتطلب قوة جسدية في المطلق، فالمرأة قد تكون القائد الأنسب أحيانا، وليس التسلط كما يظهر بشكل سلبي في شخصية صاحب الكراج العسكري المتقاعد، المهووس بفكرة السيطرة والقيادة، وتغليب مصلحته ورغبته في الظهور، والتفرد بنشر خبر السيارة للحصول على المال، ولو كلفه ذلك حياة كل طاقم العمل، والذي للأسف خسر حتى فكرة الظهور والتفرد بظهور أكثر من سيارة من ذات النوع.

المشكل في هذه النوعية من الأفلام هو تقديم فكرة الموت بشكل مجاني وبسيط، وربما مبرر لصالح حياة فرد (البطل) أو فكرة، وكأن ثمة أفراد يستحقون الحياة وآخرين لا، أو حتى بشكل متفاوت ضمن هذا الاستحقاق الممنوح من قبل الرب أصلا، وهذا ما يعيشه العالم اليوم بعنف وقسوة حيث القتل الجماعي المجتث لصالح فرد أو فكرة قد تكون قبيحة أو بشعة، وحتى لو كانت نبيلة فهي أقل من أن تكون مبررا لحصاد كل هذه الأرواح، إن هدف الفن ووظيفته كما يفترض هو رفع قيمة الإنسان وإعلاء قيمة الحياة، فمن ينتبه لصناعة الموت التي تحاصرنا وتصدر الموت بكل هذه المجانية والسهولة!؟

7.

«لا عرش لي إلا الهوامش»

محمود درويش