التناقضات بين روسيا والغرب تخيّم على آفاق مؤتمر جنيف2

د.فالح حسن الحمراني -

إعلامي عراقي مقيم في موسكو -

تسعى الدبلوماسية الروسية في عام 2014 إلى تطوير النجاحات التي حققتها في الساحة الشرق الأوسطية عام 2013 والتي تضع في مقدمتها إلى جانب دورها في الانفراج في مشكلة البرنامج النووي الإيراني، تجنيب تعرض سوريا لضربة صاروخية أمريكية، وأن تصبح اللاعب الأقوى تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط. ويرى محللون روس أن أمريكا أدركت أن حقبة الهيمنة المطلقة قد ولت، ويعتقدون أن حقبة استخدام القوة العسكرية لأي سبب انتهت عند الأزمة السورية.


وتعتزم روسيا لاحقا مواصلة الوقوف بوجه محاولات تغيير النظام في سوريا، معتبرة أن هذه المهمة واحدة من أولويات دبلوماسيتها في عام 2014. والكلام لا يدور حول المواجهة، فالوضع في الشرق الأوسط لا يزال مربكا جدا بالنسبة لجميع الأطراف، وأشارت وزارة الخارجية الروسية في عرضها التقليدي عن الأحداث الرئيسية لعام 2013 أن روسيا وبالتعاون مع شركائها واصلت في إطار الجهود الرامية للبحث عن سبل للإسراع بعقد المؤتمر الدولي «جنيف 2»، المدعو لإطلاق المباحثات بين الأطراف السورية، والمتوقع، في حال انعقاده، سيكون من الأحداث الدبلوماسية الرئيسية في 2014.

ولكن ورغم تقارب الخطاب الروسي/الامريكي بشأن مؤتمر جنيف إلا أن تفاصيله تكشف عن وجود خلافات خطيرة في مواقف موسكو وواشنطن والغرب عموما حول مفهوم المؤتمر وجدول عمله وحتى حول المشاركين فيه، وأن كل طرف يمهد الأجواء اللازمة لهيمنة رؤيته على أجواء المؤتمر والتحكم بآليته وبالتالي بالنتائج التي ستفسر عنه، وكل هذا يمكن أن تنسف المؤتمر أو على الأقل تفرغ مضمونه وأهدافه المرجوة وتحوله إلى فعالية شكلية.

إن الخروج من المأزق يعتمد على حسن نوايا الجميع والانطلاق بصدق من أنه يعقد من أجل إحلال السلام بسوريا ووقف طاحونة الموت والدمار فيها، وتشجيع الأطراف المتحاربة على العثور على حلول توافقية وبدء عملية سياسية مقبولة للجميع.

وعلى خلفية ذلك فإن روسيا تحاول توظيف مشاركتها وتفعيل دورها فيه لخدمة جملة من الأهداف بما في ذلك ما يخدم مصلحة إحلال السلام والاستقرار في سوريا التي تصب في مصلحتها هي أيضا.

وتضع في مقدمة الأهداف أيضا عدم إقصاء نتائج جنيف2 النظام القائم عن العملية السياسية المقبلة أو الاستجابة لمطالب «سوريا من دون الأسد»، بل بالدفع نحو التفاهم وإطلاق عملية سياسية تكون فيها مكانة للجميع من دون القوى التي تنظر لها على أنها من «صنائع القاعدة» أو «قوى اقليمية» تريد الشر، بسوريا لمصلحة أهدافها الجيو/سياسية والاقتصادية وغيرها.

وضمن هذا السياق فإن موسكو تصر على أهمية مشاركة إيران في مؤتمر جنيف، وليس لأنها قوة اقليمية نافذة ولأن بيدها عدد من «عتلات» التحكم والتأثير بالنزاع السوري، ولكن لأن موسكو تراهن على أن حضور إيران سوف سيكون دعما فعليا لموقف النظام السوري في مواجهة الأطراف الأخرى، لا سيما الغربية.

ولكن واشنطن ترفض حضور ممثلي طهران ليس من عدم إدراكها للدور الإيراني في الشأن الإقليمي وفي النزاع السوري بالذات بل انطلاقا من رؤيتها للإجواء التي ينبغي أن تسود المؤتمر، والحصول على إمكانية «حشر» الوفد السوري الرسمي في زاوية وإرغامه على القبول بالوضع الذي سيتيح للمعارضة قيادة العملية السياسية في المرحلة الانتقالية.

وتكمن العراقيل الأخرى التي ما زالت ماثلة أمام انعقاد جنيف2 في عدم ثبات موقف المعارضة المنضوية تحت لواء «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». واطلق الائتلاف… في الآونة الأخيرة عدة بيانات تناقض بعضها الآخر بشأن احتمال المشاركة في مؤتمر جنيف2. وعلى سبيل المثال طالب بفرض منطقة حظر الطيران على غرار ما حدث مع ليبيا، باعتبار أن ذلك الحظر هو الوسيلة الوحيدة لوقف «إبادة الشعب السوري».

ولكن الائتلاف لا يستبعد من حيث المبدأ المشاركة في المؤتمر، أن الجماعات المسلحة الخاضعة له تقوم حاليا بمضاعفة قوتها العسكرية، لكي يكون له موقع أفضل في المباحثات، الذي من المزمع أن يبدأ أعماله في 22 يناير 2014 في جنيف.

وإلى جانب الائتلاف…فهناك القوى التي اتفق الاصطلاح على تسميتها «بالإسلامية المتشددة» التي يدرجها الخبراء ضمن العوائق الرئيسية على سبيل التسوية في سوريا. ووفقا لمختلف المعطيات فإن عدد المقاتلين المنتمين لتلك القوى يبلغ زهاء 11 ألف شخص.

إن هذا الجيش يخوض حربا شرسة من اجل تصفية النظام العلماني وإقامة دولة إسلامية في سوريا، وهي ترفض الإصغاء لدعوات المشاركة في أية مباحثات لإيجاد حلول سلمية، بل ودخلت في مواجهات مع قوى الائتلاف والقوى الكردية.

وفي مواجهة الموقف الروسي يبني الغرب استراتيجيته على الحيلولة دون توجه المؤتمر نحو منح دور ملموس للرئيس بشار الأسد في العملية السياسية يؤهله لقيادتها والعمل على إبعاد الأسد، وعدم إتاحة المجال لتفاهم قوى الائتلاف مع النظام وإقامة تحالف في مواجهة «الإسلاميين»، لأن الغرب سيخسر الورقة السورية في هذه الحالة لتذهب إلى يد موسكو.

لذا فإن عوامل نسف جنيف2 ما زالت قائمة.