كتب – سالم بن حمدان الحسيني -
نظم مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في إطار خطته الثقافية لهذا العام محاضرة قيّمة ألقاها الأستاذ الدكتور طارق علي الحبيب البروفيسور واستشاري الطب النفسي – الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء النفسيين العرب حملت عنوان «إدارة الغضب» وذلك بجامعة السلطان قابوس بيّن فيها أن التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية حتى ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعهم وأخلاقهم.
مبينا أن الانفعال وإن كان ضروريا لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي، لكنه عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فإنه سوف يعاني من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني والبدني وفقد الرغبة في الاستمتاع بالحياة.
وأشار الحبيب في محاضرته إلى أن هناك إحساسا أو جملة من الانفعالات الشعورية تختلف حدتها من الاستثارة البسيطة انتهاء إلى الثورة الحادة والعدوان. مبينا أن هذا الانفعال يصاحبه تغير جوهري في الوظائف العضوية الحيوية، من بينها: تغير ضغط الدم وتغير مستويات السكر في الدم وتغير نشاط الغدد الصماء وغيرها.
كما تطرق المحاضر إلى التعريف بالغضب موضحا أنه شعور انفعالي قد يؤثر على سلوك الكائن الحي ويدفعه إلى إلحاق الأذى بذاته أو بغيره. واصفا إياه بأنه الانفعال الوجداني السلبي الذي يصاحب الكائن الحي عند التعرض لمواقف ضاغطة تتسم بالتهديد أو خطر المواجهة.
وأوضح الدكتور طارق الحبيب أن الغضب يختلف من شخص لآخر فهناك من الأمور التي تغضب بعض الناس قد لا تغضب البعض الآخر، وبأنه حالة تجتاح الإنسان عند حدوث شيء غير متوقع أو لا ينتظره كردة فعل نفسية. مبينا أن هناك أسباب غضب خارجية وأسباب غضب داخلية ومنها مثلا: التعرض لأشياء تحفزه على الضيق مثل: أزمة المرور أو إلغاء رحلة سفر. وكذلك إطالة التفكير في الأمور الخاصة والعائلية أو في ذكريات مؤلمة تثير مشاعر الغضب عند استرجاع الإنسان لها.
مشيرا إلى أن هناك أيضا أسبابا أخرى للغضب منها: الإرهاق والجوع والألم والمرض والاعتماد على عقاقير (أو إساءة استعمالها). موضحا أن هناك أسبابا أخرى مثل التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية لدى الإناث. أو الوصول إلى سن انقطاع الطمث. وكذلك الانسحاب من تأثير مخدر. وكذلك الاضطرابات النفسية والعوامل الجينية والضغط العصبي الناتج عن إيقاع الحياة اليومية.
وحذر الحبيب من مغبة الغضب مبينا أن له أعراضا كثيرة تنتج عنه أهمها ارتفاع ضغط الدم وزيادة إفرازات هرمونات الضغوط وسرعة التنفس وخفقان القلب والارتعاش والإصابة بالإسهال. ومن مسبباته أيضا تقلص حدقة العين (بؤبؤ العين).. وضعف القوة البدنية وسرعة الكلام والحركة مع التوتر وعضلات مشدودة ومن أعراضه النقد المستمر والاستثارة والنفور من الغير والسلوك العدواني والحسد والغيرة وكذلك انعدام الشعور بالأمان وعدم تقدير الذات ولوم الغير. وكذلك الشعور بالاكتئاب وبالقلق ومن مظاهره عدم القدرة على النوم أو الأرق وإصدار الآراء السلبية والشكوى المستمرة وأيضا نتيجته انخفاض الأداء والرغبة الجنسية واضطرابات الجهاز التنفسي وأمراض القلب.
كما بيّن الدكتور طارق خلال محاضرته أن هناك عدة عوامل يمكن للإنسان استخدامها حتى يستطيع أن يضبط غضبه أهمها التفاعل المتوازن بين التفكير والشعور والسلوك مع ضرورة تعديل أنماط التفكير السلبي وخفض مستوى الانفعالات الجسدية وأيضا تعديل نمط الحياة بالتدعيم وأساليب الاسترخاء.
موضحا أن من ضمن الحلول لحل المشكلات هو تغيير البيئة ففي بعض الأحيان، قد تكون البيئة المحيطة هي التي تثير غضبنا وثورتنا. حيث تضع المشاكلات والمسؤوليات أعباء على الأفراد وتجعلهم يشعرون بالغضب الذي يصورونه بالمصيدة التي يقعون فيها، وهذه المصيدة هي من فعل الأشخاص والظروف التي توجد من حولهم. مبينا أهمية اللجوء إلى النصيحة الطبية للاسترشاد إلى طريقة أفضل للتعامل مع أمور الحياة، والتي تتمثل في الأخصائي النفسي الذي يعمل مع الشخص على تنمية وتطوير مجموعة من الأساليب التي تجعله يغير من طريقة تفكيره وسلوكه.
وأصاف الدكتور طارق أن الجانب الروحاني الديني في ضبط الغضب له التأثير البالغ في النفوس مستشهدا ببعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وبعض القصص الواقعية الدالة على ضبط النفس والتروي عند الغضب.
الجدير بالذكر أن الأستاذ الدكتور طارق الحبيب هو بروفيسور واستشاري الطب النفسي في كلية الطب والمستشفيات الجامعية بجامعة الملك سعود بالرياض وله العديد من الأبحاث العلمية المنشورة محليا وعالميا وهو أيضا عضو في العديد من الجمعيات والاتحادات الطبية النفسية العربية والعالمية، وله العديد من المؤلفات والتي اعتمد بعضها مرجعا علميا في كليات الطب في بعض الجامعات العربية.