د.رجب بن علي العويسي -
Rajab.2020@hotmail.com -
في ظل معطيات الحالة العمانية وما تطلبته من مراجعات تناولت جوانب مختلفة في العمل المؤسسي، وإعادة نظر في التشريعات واللوائح تحقيقا للعدالة الوطنية التي أرسى دعائمها جلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه- وتأكيدا لترسيخ نظم إدارية معاصرة قادرة على إدارة التحولات في منظومة العمل الوطني، وفي ظل مرحلة تحول وطنية أكدتها التوجيهات السامية بمنح الشباب الدور الأكبر في إدارة محاورها وبناء نظمها،بما يضمن الاستفادة من طاقاته بشكل أكثر فاعلية وتوظيف إبداعاته في تعزيز برامج التنمية الوطنية، يأتي حديثنا عن ثقافة المسؤول كأحد المداخل المهمة في سبيل تأصيل ثقافة احترام المسؤوليات والمرتكز الذي يمكن الاعتماد عليه في الوصول بهذه الفرص إلى مرحلة التطبيق لرسم مناخات جديدة للعمل تتعاطى مع كل الأفكار المطروحة،وتضبط التجاذبات الحاصلة بمعايير مقننة وأسس مؤطرة.إن طبيعة عمل المسؤول وموقعه في هيكلية الهرم المؤسسي تستدعي مراجعة وتحديثا مستمرا للثقافة التي يقود بها مؤسسته، وهي ثقافة يفترض أن تتسم بالشمولية والاتساع وبعد الرؤية والحدس في قراءة الحالة الوطنية والاستجابة لمقتضياتها ومعالجة إشكالياتها،وتتطلب امتلاك الأدوات والمهارات والاستعدادات التي تهيئ لها مستويات عليا من الجاهزية،وفكر شمولي قادر على أن يضفي على الحالة الماثلة أمام المسؤول عملاً نوعياً مبتكراً يرضي الطموح ويفوق توقعات الشباب،والمجتمع مراعية كل المتغيرات والمؤثرات القائمة مستلهمة ذلك من نظم التقييم الدقيقة ونماذجه المعتمدة،وقراءتها التأملية لمؤشرات الأداء ونواتج الإنجاز؛ ضمانا لنشر مظلة الشعور بالمواطن وأنه المستهدف من الجهد،وبالتالي فهي تعتمد على حس المسؤول بما يترتب على هذا الموقع من التزامات نحو الوطن والدولة والإنسان، إنها بالتالي ثقافة يتملكها جانب الإيثار والشعور بالمسؤولية والاعتراف بالحاجة إلى دعم المجتمع ووقوفه مع التوجهات المؤسسية لمزيد من التعاطي معها وتبنيها على أرض الواقع.
إن منظور العدالة وتجلياتها في ثقافة المسؤول يرتبط بقدرته على إحداث التوازن بين مهامه الوظيفية في قيادته لمؤسسته، وبين دوره كرجل دولة في التعاطي مع أحداث مجتمعه وعالمه بكل شمولية ووضوح لكونه يحمل على عاتقه رؤية وطن ونبض مواطن،وتستدعي منه عمقا في قراءته للمشهد الوطني، معتمدا في ذلك على مناهج البحث والتشخيص المؤسسي والاستراتيجيات، وهو أمر يتطلب منه أن يكون قارئاً من الدرجة الأولى قراءة معمقة سريعة شاملة لتجاوز العديد من الإشكاليات، التي تواجهها المؤسسات اليوم والتناقضات وسوء الفهم للكثير من القرارات والازدواجية الحاصلة في التوجيهات،ويستأثر بنفسه في الاطلاع على كل ما يحقق الأهداف العليا لمؤسسته وقراراتها الاستراتيجية ويرقى بإنسانية المواطن ويعزز أمنه،وهو أمر لا يعفي أي مسؤول من أمر اطلاعه على مستجدات العمل في مؤسسته ومراجعته لخططها العليا واستراتيجيتها المقبلة، وقناعة المسؤول حول الاستفادة مما ينشر في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها من كتابات وما يشار إليه من قضايا تتعلق بعمل مؤسسته وبالتالي ترقية الثقافة المضادة،والثقة فيها باعتبارها مرحلة جديدة لتقييم المنجز المؤسسي، وبناء أرضيات مشتركة مع المثقفين والكتاب والأكاديميين والعلماء بما يضمن تكامل الجهود، وتأصيل نماذج الشراكة من أجل بلوغ الهدف، وهنا تأتي أهمية قناعة المسؤول بمبدأ الحوار كجزء من ثقافته وتعزيز المنابر الحوارية المؤسسية وتأكيد توظيفها بالشكل السليم والاستفادة من نواتجها وعلى أكثر من نطاق، بحيث لا يمنعه وجود جهات التواصل المباشر معه من البحث هو بنفسه في السلوك المؤسسي والممارسة الحاصلة والمتابعة المستمرة في ظل تقنين الأدوات وتنوع المنهجيات وتعدد المصادر.
وعليه فإن الحديث عن ثقافة المسؤول،يستدعي تجديد دعوتنا إلى إنشاء مركز وطني عال لإعداد القيادات الوطنية العليا بالدولة المؤهلة علميا ومهاريا لتمثيل السلطنة في مختلف المجالات وكافة المحافل، من رؤساء الوحدات الحكومية ووكلاء الوزارات ورؤساء مجالس الشركات والرؤساء التنفيذيين والسفراء ومن في حكمهم،يضع من بين أهدافه تحديث مستمر لثقافة المسؤولين ومراجعة دورية لأداءاتهم،في ظل مستجدات العمل واستشراف لمستقبله غير المنظور ومؤشرات الأداء في وحداتهم وبما يضمن جاهزية ثقافتهم وتجددها وقدرتها على احتواء الحالة الوطنية والتفاعل مع تفاصيلها الدقيقة بكل أمانة ومسؤولية.