المرأة في السنة: لا قوامة لمشرك على مسلمة

يتردد بين الحين والآخر من قبل بعض الكتاب والمثقفين أن بعض النساء أفضل من كثير من الرجال علما وعقلا وفضيلة، فأستاذة الجامعة الفاضلة أفضل من ألوف من الرجال الجهلة المنحرفين ضعفاء العقول، وهي – (امرأة) وهم (رجال) فكيف يصح في منطق العقول أن يكون واحد من هؤلاء قواما عليها؟ وهل تصلح الحياة بقيادة مثله لمثلها؟ وربما استشهد بعض من يقول بذلك بأمثلة من تاريخ صدر الإسلام فقال: لقد كانت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها أفضل من ألوف الرجال مثل أبي جهل أو غيره من المشركين والمنافقين فهل يصلح واحد من هؤلاء (وهو رجل) ليكون قواما عليها – كما تقولون – وهي امرأة؟ ويقول الدكتور محمد بلتاجي في كتابه «مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة»: أن الإجابة عن هذه الحجة يسيرة هينة، فلم يقل أحد إن مشركا يصلح أن يكون قواما على امرأة مسلمة وإن كانت تقل عن عائشة (رضي الله تعالى عنها) بألف مرة، لأن الله تعالى حرم على غير المسلم أن يتزوج المسلمة، كيلا تتحقق فيها قوامته عليها وهي أفضل منه عقيدة، حيث قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء 141] وأي سبيل أعظم من القوامة وحق الطاعة؟

وأيضا لم يقل أحد بأن الرجل الجاهل ضعيف العقل المنحرف تكون له القوامة على المرأة العالمة العاقلة الفاضلة، لأن صلتها المفترضة به إما أن تكون عن طريق (الزواج) وإما أن تكون عن طريق (النسب)، فإن كانت الأولى فإن المرأة تتزوج في الإسلام برضائها ورضاء أهلها، فإن قبلوا وقبلت رجلا بهذه الصفات – وهي بما ذكرناه من صفات – فهي التي رضيت بأن تقيد نفسها بقيد الطاعة والعشرة له، وهي المسؤولة عما اختارته ورضيت به، ولابد أن لها أسبابا في ذلك، ومع مسؤوليتها الكاملة عنه فإن الشريعة الإسلامية فيها من السبل التشريعية ما يهيئ لها سبيل الخلاص من ربقة القوامة غير الصالحة إن رغبت في ذلك، عن طريق طلب التفريق لعدم (الكفاءة) إن تحققت فيهما شروط رفع هذه الدعوى، فإن لم تتحقق فإن لها في الشريعة طريقاً آخر للخلاص مما رضيت به أولا من ربقة قوامة غير صالحة، وذلك بأن ترفع دعوى التفريق لما يكون قد وقع بها من ضرر قوامة الرجل الجاهل المنحرف عليها.

وأما إن كانت صلة هذه المرأة لعالمة الفاضلة بهذا الرجل الجاهل المنحرف ضعيف العقل عن طريق (النسب) الذي لا مسؤولية عليها فيه، بأن كان أبا أو أخا أو ابنا فهنا أيضا تقرر الشريعة الإسلامية أنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا حاول هذا الرجل – مهما تكن قرابته لها – أن يحملها على منكر من القول أو الفعل – والحكم في هذا هو الشريعة الإسلامية طبعا – فإن لها (بل عليها) حق رفضه وإنكاره، ولا طاعة له ولا قوامة في ذلك عليها، فإذا أمرها بانحراف، أو جهالة، أو قطع رحم، أو رغب في تزويجها من غير الكفء مع عدم رضاها، أو حاول أن يسطو على مالها بدون وجه حق، أو ضيق عليها في معروف تفعله، أو منع عنها حقا من حقوقها المشروعة، أو أساء إليها بأي طريق يصدر فيه عن الجهالة والانحراف – فليس شيء من ذلك كله له، إنما تسقط عندئذ قوامته عليها، لأن الله سبحانه وتعالى حين أعطى الرجل هذا الحق قد قيده بقيدين – مازلنا نتحدث عن الأول منهما وهو {بما فضل الله بعضهم على بعض}، ويوضح الإمام البخاري في كتاب «الأحكام، باب السمع والطاعة» أنه مما يفهم من النص القرآني أن هذه القوامة معللة ومشروطة بشرطين: التفاضل في الطبيعة من حيث ما ذكرناه من صفات وتكوين، والإنفاق الذي سنتحدث عنه فيما بعد، فلو فقد الرجل الفضل المذكور وتحلت هي بالعلم والحكمة والفضيلة، وكان قريبها هو الجاهل المنحرف الذي يصدر في أموره وأحكامه عن محض جهله وانحرافه بنحو ما سبق – لم يكن لقائل أن يقول لها: أطيعيه في المعاصي والانحراف والجهالة، لأنه قوام عليك، ثم إنها في نهاية الأمر تستطيع التخلص من جهالته وانحرافه بالتزوج ممن يكافئها علما وعقلا وفضيلةـ أو يزيد عليها، وفي كل سيصير هو القوام عليها بما تنصلح معه الأمور.

فإنه عند تساوي الوضع بينهما وتكافئه في العلاقة فإن الرجل هو الأكثر تهيؤا وملاءمة واستعدادا لأن يقوم بالقيادة، وإن مثلوا لنا بامرأة بلغت درجة عالية في العقل والعلم والفضل، قلنا: إن لها بين الرجال من يكافئها ويربو عليها في صفاتها، وحين تتزوج منه راضية به فلا بد أن تضع في اعتبارها وهي تفعل ذلك أن الله تعالى قد أوجب عليها طاعته في المعروف، لأنه جعله قواما عليها قائدا لشئون الحياة بينهما، أما إن رضيت بالزواج ممن هو دونها علما وفضيلة فهي المسؤولة عن ذلك وهي التي رضيت بأن تسلم له بجميع حقوق الزوجية طائعة مختارة راغبة، على أنه لو أصابها من جراء ذلك ضرر تستحيل معه الحياة الزوجية عادة بين أمثالها ففي الفقه الإسلامي المخرج لها.