حمود بن عامر الصوافي -
إحصائيات القراءة في عالمنا العربي تنبأ بخطر جسيم وتتطلب إخطار المسؤولين أن الأمر جد خطير وأن أمة اقرأ لا ينبغي أن تظل في مؤخرة الركب ولا يعقل أن يكون نصيبها من القراءة دون المستوى المطلوب ألا يحرك مشاعرنا حين يقال إن نصيب مليون عربي هو أربعة كتب فقط؟! بينما نصيب مليون إسرائيلي هو 300000 ألف كتاب، يا ترى لماذا هذا التخلف؟ وما هذه الفضائح؟ أيعقل أن يكون عدونا الماكث بيننا أقوى منا عدة وعلما؟ ما هذه المعادلة البائسة؟ أمة محمد أقل الناس قراءة؟ إنها حقائق ولكنها حقائق مبكية. ولا أظن كتابًا مقدسًا اهتم بالوقت ككتاب ربنا فقد أنزل سورة اقرأ فاصلة بين الجهل والعلم، بين الظلمة والنور، بين الحضارة والبداوة لقد أرد ربنا أن يدربنا على القراءة من أول يوم في ميلاد هذا الدين، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق/1-4].
لقد كثر القسم بالأوقات في القرآن وذلك لأهميته وقيمته في الإسلام، فمن غير الوقت لا تستطيع إنجاز شيء ومن غير الوقت لا زمن لك كالنائم فحق أن يكون هو رأس مال الإنسان إن استغله حصل على ما يريد وإن أهمله ضاع عليه خير كثير. وقد أقسم الله تعالى بعدد من الأوقات منها: (والضحى والليل إذا سجى) (والليل إذا يغشى) (والفجر وليال عشر)، (والعصر) الخ المواضع التي أقسم الله بها وذكرنا فيها أن الوقت ذو قيمة لا يمكن تعويضها البتة.
الوقت ذو قيمة إسلامية وإنسانية لا ينبغي للمسلم أن يفرط فيه بل عليه أن يعمره بالخير فما خلق الإنسان إلا لعبادة الله تعالى وعمارة الأرض وهذان لا يستقيمان إلا بالمحافظة على الوقت واستثماره الاستثمار الأمثل قال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ)[هود/11]، ويقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58))[الذاريات/56-58]. فقد طلب من الإنسان ولا سيما المؤمن أن ينعم بنعم الله ويستخرج مكنونات الأرض بما فيه مصلحته ومصلحة العالم أجمع، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15))[الملك/15]. فيجدر بالمؤمن أن يكون أول المبادرين إلى إصلاح الأرض والبحث عن مكنوناتها لانتشال العالم من الجوع والظمأ، ولا سيما المسلمين فقد صاروا اليوم من أتعس أهل الأرض ومن أكثرهم فقرا انتشرت بينهم المجاعات والحروب فلا بد من وقفة صادقة معهم. فضعف ما في اليد وقلة الحيلة واضمحلال الإبداع أو توقفه يجعل من المجتمع لقمة سائغة للحروب والتنازع فالناس إن أمنوا في ديارهم واشتغلوا بما ينفعهم تركوا خصوماتهم ولم يلتفتوا إلى ما فيه حتفهم فحري بنا أن ندعم ثقافة العمل بين شبابنا ليكونوا منتجين متعاونين قادرين على مساعدة إخوانهم مكتفين بما عندهم قرارهم بأيديهم لا يتشتتون بين استغلال الغربي وعداء الإخوان.
إن ما يجري اليوم في أرض سوريا والعراق وغيرها من بلدان العالم العربي هو عار علينا كمسلمين، ومنقصة أن يشمت بنا الغرب الكافر ويشفق من تعاستنا وعدائنا لبعضنا البعض، فأين العقول ذهبت؟ لماذا يصطف البعض صفوفًا طائفية ويستمدون مصداقيتهم من دينهم ويقتلون باسم الدين والمحافظة على أصوله أن تداس ومقدساته أن تنتهك ولعمري إن الدم المسلم أغلى من زوال الدنيا، وما فيها، فعلينا أن نضع حدا للدماء وألا ننجر إلى الصيحات الطائفية فتلك طاعون الأمم وسوسة الإخوة إذا نخرت في قلب الأمة لم تجرها إلا إلى ويلات وويلات أعاذنا الله ممن يتربصون بنا ويستغلون ديننا ليحققوا مآرب آنية أو مكاسب سياسية فما أتعسهم وما أتعس من سار على نهجهم.