نتفرقات: اغتنموا ما بقي من رمضان

عبدالله محمد عبدالله -

نقترب من نهاية شهر رمضان بما فيه من خير وإحسان، راجين الله ان يتوج عملنا فيه بالقبول، وان يجعله في ميزاننا وشفيعا لنا يوم يقوم الناس لرب العالمين. نقترب عزيزي الصائم – من نهايته والموفقون لصيامه فرحون مستبشرون بتوفيق الله وهدايته، شاكرون له فضله ان هداهم لما يرضيه، وحبب اليهم طاعته، وملأ قلوبهم بالخشية منه. وأما الذين قصروا فيما مضى من أيام هذا الشهر الكريم، فالفرصة أمامهم مازالت سانحة لتداركهم ما فات من تقصير في الصوم، او قصور في طاعة الله، اوكسل في اداء الصلوات، ومهما قصر المسلم او تكاسل أو اهمل، واراد الرجوع إلى ربه، فلا ييأس من رحمة الرحمن الرحيم، فهو القائل سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم)، وليكن سبيلهم الى تدارك ما فاتهم من خيرات في هذا الشهر الكريم هو الصبر على الطاعة والجهاد ضد المعصية.

فالصيام نصف الصبر والصبر نصف الايمان، والامة التي تريد ان تبني نفسها وان تشق في الحياة طريقها لا يمكن لها ان تفعل ذلك إلا اذا كانت اللبنات وهم الافراد قد صقلهم الصبر وأنار قلوبهم الايمان وتعودوا على التضحية والفداء ولأمر ما كان الجهاد في شهر الصوم وفيه بذل للنفس والنفيس وفي ذلك إيذان بان الصوم قد حث نفوس المؤمنين على التضحية فخاضوا غمار الحرب غير هيابين وعلى مواجهة الشدائد اقدموا غير خائفين.

والحياة كلها كفاح وجهاد في سبيل الآمال الكبار وتحقيقها، والصبر أكبر عدة للفرد وللأمة في مجال العلم وفي جميع مجالات الحياة. فضلا عن انه السلاح الذي يقهر به المرء عاديات الايام، وتتسلح به الامة لمواجهة العقبات والمخاطر. وصدق الله العظيم اذ يقول: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور).

عزيزي الصائم.. اذا كان الصبر هو الطريق لتعويض ما فات المسلم من خير في ايام رمضان التي مرت كلمح البصر، فان مراقبة الله – عز وجل – هي الضابط لسلوكيات الصائم فهي التي توقظ في المسلم ضميره، ويحيا بها فؤائده ويكون دائما على ذكر من ربه، وكيف لا؟ وهو يعلم ان الله – عز وجل – معه حيث وجد، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، والقلوب اذا عمرت بالايمان، وامتلأت بالخشية من الله، عصمت صاحبها من الزلل وحفظته من الانحراف، والميل مع الهوى، والوقوع في معاصي الله، ومن ثم تعمر الحياة بالخير، وترفرف في سمائها ألوية الحب والوئام والصوم امانة والحفاظ عليها من الايمان والالتزام بأدائها اذا اعتاده المرء اصبح له خلقا. ومن هنا ترعى الحقوق، وتصان الحرمات، وتقوى بين الناس روابط الود والاخاء.

ويأتي بعد ذلك الإكثار من تلاوة القرآن الكريم لأنه الزاد الذي لا حياة للبشرية بدونه، والمنهاج الذي اذا ضل عنه الناس خسروا الدنيا والآخرة واذا اعتصموا به دانت لهم الدنيا، وفازوا بالآخرة وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحالت ان لهم اجر كبيرا وان الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما).

وأما العامل الاخير في ادراك الانسان لما فاته من ايام رمضان فهو البر والاحسان على قدر المستطاع ولو بالكلمة الطيبة فكل صائم يحتاج الى طيب الكلام من اخوانه كما ان اخوانه يحتاجون إلى الحسن من القول، والمعاملة الكريمة التي تغرس في نفوس الجميع الحب والعطف والوئام وفي ذلك يقول تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم).

فيا أخي الصائم ما أحلى الرجوع الى الله، وما أمتع لذة الطاعة لخالق الارض والسموات، وما أحسن التوبة المكللة بدموع الندم والعزم على ترك كل ما يغضب الريان. (وتوبوا الى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).