وحدة انسانية – الوحدة والانتماء الوطني

علي العلياني -

إن وقوفنا على ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام وهو يغادر مكة مهاجرا بعد تبييت كفار قريش أمر قتله والقضاء عليه عندما قال مخاطبا مكة المكرمة (( والله لأنت أحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبدا )) ..إن هذه المقالة تنم عن حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لموطنه ومكان مولده حبا يفوق الوصف،وهذا يعلمنا ان حب الأوطان والإحساس بالانتماء إليها وحب ترابها وجبالها وسهولها ووديانها وحب رفعتها وتقدمها امر يمليه علينا الشرع قبل ان يمليه العرف وتنصبه التقاليد لنا امرا واقعا …

ان الانتماء الوطني ليس معناه الالتصاق بالجدران وتقبيل التراب ولا التغني بحبه بل معناه الاخلاص والتفاني في خدمة هذا الوطن والارتباط النفسي الوثيق القائم على عدم التفريط في أي من أبجديات الولاء له …ان حب الوطن يعني هنا البذل والعطاء كما أنه يعني رسوخا بهذا الوطن في القلب بحيث نسخر جهودنا وطاقاتنا لخدمته ورفعة شأنه ، لأن الاستقرار وتقدم وعلو شأن أي وطن هو رفعة للجميع وإنجاز للكل ومفخرة لكل من يعيش على ترابه …..ان تفتخر بوطنك لا يعني الغرور ولا حب التعالي وليس معناه التصفيق الحاد بل معنى ذلك أنك جزء منه وقد شاركت في نهضته وبنائه …ان خيرات هذا الوطن هي مسخرة لخدمة أبنائه وبالتالي ما دمنا نأكل من خيراته ونتنفس من هوائه النقي ونشرب من مائه العذب الزلال علينا ان نكون معه قلبا وقالبا بحيث نحس ان كل نفس نتنفسه نابع من حبنا له ..

ان الانتماء الوطني يزيد من قوة ومتانة الوحدة وأسبابها لأن الشخص الوطني همه رفعة وطنه التي تكون بسواعد أبنائه وبالتالي فكل أبناء الوطن أخوة ما داموا يسعون لرقيه ورفعته ..فنحن كعمانيين نفتخرونعتز ونجل ونقدر كل عماني على هذه الأرض الطيبة كونه شريكا اساسيا في رفع صرح بنيان شامخ يعطي هذا الوطن دفعة للأمام توصله الى مسايرة الركب الحضاري والتقدم العلمي والعمراني ، وإن سلامة وسعادة كل مواطن عماني سعادة لنا كوننا بالدرجة الأولى مسلمين وهنا توحيد الهوية الدينية وأيضا نعيش على تراب وطن هو ملك للجميع لكن بالمقابل دعونا نقف على طبيعة وطن تمزقه الصراعات وتعج بأركانه وزواياه الاختلافات وتنتشر في أرجائه صنوف الدمار والخراب ستجد أن أساس هذا كله عدم وجود الحس الوطني المرهف او ان الانتماء عند مجموعة من المجموعات يغرد خارج الحدود بحيث تجد الواحد يعيش هنا وهو قلبا وقالبا مع فكرأوأيدلوجيا اوتبعية لأشخاص واماكن أخرى هنا تضيع الحسابات وتنفلت عقد الوطنية الحقة ويبدأ بعدها الضياع والتيه والوساوس الخطيرة التي تطيح بآمال كل وطني في أن يرى وطنه مستقرا يعيش في رخاء ….ان أكثر ما يدمر النسيج الاجتماعي هو اختلاف التوجهات الوطنية وتباين المواقف الخاصة بالولاء والانتماء لتراب الوطن ، وإن من الحماقة أن نعيش في وطن ولا نحس بالحب والانتماء له ..ان المواطن في الدول المتقدمة تجد غالبا الحس الوطني والانتماء الى اسم بلاده أولوية قصوى فهو يفتخر بأنه من هذا البلد ومستعد أن يدافع عن مصالحها ولو فقد روحه وذلك من منطلق احساسه انه إبن هذه الأرض وان ليس له أم ستحتضنه كما تحتضنه أرضه التي نشأ فيها وحقق آماله وطموحاته فوق ترابها …ان الشخص الذي تجده يبحث عن السعادة في وطن غير وطنه ليس عنده انتماء أو حب للوطن بل تجده يبحث إما عن مال زائل أو شهرة خاطفة أو أنه في المقام الأول ليست عنده الشجاعة الكافية ليقرر أن وطنه أولى وأجدر بطاقاته وجهوده وابداعاته …

ان مسألة الوطنية ليست مجرد شعارات ترفع ولا كلام يقال بل هي مبادرة وقناعة داخلية وعزم على ان يكون الواحد مصدر رفعة وتقدم لا خذلان ولا تقاعس …ان أساس حياة الانسان هو المبدأ الذي يحيا عليه ومن أجله أما مسألة المال والبناء وغيرها كلها وسائل يصل بها الانسان العاقل الى تحقيق مبادئه وترجمة أهدافه لأن اختصار حياة الانسان في مسألة الأكل والشرب والمتعة تجعله يدور في فلك شهواته أو أنه لا يستطيع تخطي الوسائل ليصل الى الاهداف …….

من هنا نجد ان تعميق الحس الوطني وترسيخ مبادئه في النفوس مما يعزز الوحدة الوطنية بحيث نجد ان كل شخص حريص على سلامة الجميع حتى يشارك الكل في نهضة الوطن وهنا يد الله مع الجماعة وبالتالي تكون النتيجة عملا مثمرا وإنتاجا عاليا ورخاء اقتصاديا وترابطا اجتماعيا ، هنا يستتب الأمن ويشيع الاستقراروينصرف الناس الى انجاز مهماتهم بكل أريحية بدل الانشغال بقضايا الاختلاف أو العيش في وضع مقلق قوامه صراعات وخلافات ودوامة لا تنقطع من الادعاءات الباطلة والشكاوى الفارغة والبكاء على الأطلال ..ولنا في دولة الإسلام دروس وعبر فلم تزدهر الدولة الاسلامية إلا عندما رسخت مبدأ الولاء للدولة الاسلامية وأن المسلم أخ للمسلم ، حتى ان الذي يوزعون الزكاة كانوا يبحثون في أرجاء البلاد المختلفة فلا تجد فقيرا مع ان الدولة تجمع في أطيافها العربي والاعجمي ، فبلاد فارس والروم ولاحقا بلاد ما وراء النهر عندما جمعها الاسلام كان الانتماء للدين والوطن فوق كل اعتبار وبالتالي غابت من ساحات بلاد الاسلام كل الصراعات وانمحت من العقول كل الانتماءات خارج هذا الاطار وبالتالي عاش الجميع في أمان ورخاء وسعادة ووئام ..وما تذكره اليوم كتب السير والتاريخ عن عظمة الدولة الإسلامية وقوتها وعلمائها هو نتاج للأمان والاستقرار الناتج عن روح الجماعة وعقيدة الانتماء التي طبقت أحسن تطبيق فلا قبلية ولا عشائرية ولا حتى إقليمية بل إسلامية همها إعمار الكون ونشر الرخاء والأمن في كل ربوع الوطن …


ان اعتزازنا اليوم بالدولة الاسلامية في الاندلس وتلك الأيام الزاهرة الرائعة وقصص وبطولات عبد الرحمن الداخل وطارق بن زياد وكيف كانت لعدة قرون رمزا للتقدم والرخاء والنظافة والجمال وحسن النظام والترتيب أيضا يذكرنا بما يؤلمنا بعد ان انقلبت معادلة حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه الى الانقسامات الحادة التي حصلت بعد ان فقد المجتمع هناك اتجاه البوصلة الصحيح فالصراعات الداخلية مهدت الى ظهورما يسمى بحروب الطوائف التي كانت تنشب بين أبناء الأندلس واستمرت طويلا حتى ضعف الحكم الاسلامي وقاتل الجميع بعضهم بعضا لنجد التاريخ يقول لنا عن ذلك الرخاء والازدهار والتقدم والرقي قد ذهب أدراج الرياح وحل محله الفوضى والخراب والدمار بسبب غياب مسألة الانتماء الوطني وحضور أبجديات الطائفية والقبلية والمصالح الشخصية وبسبب غياب الهدف العام وهو الحرص على المصالح العليا للوطن ليبقى شامخا قويا بعيدا كل البعد عن الانقسامات والصراعات …وهنا نتذكر ما ىل إليه الحال بعد ذلك من انتهاء عصر الدولة الاسلامية في الاندلس ودخول الغريب الذي أخرج لنا فنا جديدا في الإبادة الجماعية اسمه محاكم التفتيش ونصب المشانق وسالت الدماء ، هذا كله جزاء غياب الوطنية وتقديم المصلحة الشخصية وجزاء اعتبار الوطن ملكية خاصة مع أنه ملكية عامة يشترك الجميع في بنائها والنهوض بها …

إن التاريخ يخبرنا ان يد الله مع الجماعة وان الفردية وحب الاستئثار والأخذ دون العطاء هي أساس الانزلاق الى الهاوية ، إن اللجوء الى الطائفية او القبلية والتحزبات الجانبية يجرعلى الوطن ويلات ويجلب له النكبات وبالتالي لابد أن يكون همنا تعميق الانتماء الوطني وترسيخ مبادئ البذل والعطاء بسخاء من أجل رفعة هذا الوطن وأن لا نلتفت الى مطامع شخصية أو أهواء نفسية أو شائعات يروجها أعداء الاستقرار والأمان …إن تطلع البعض الى مطامع شخصية بحيث يعميهم هذا المطلب عن حقوق الوطن من المحافظة على ثرواته وترابه واستقراره تعتبر خيانة لأمتهم ووطنهم وأهلهم ، وأن قبول البعض بالكلام الذي يبعث الاستهانة بالوطنية والحط من مكانة الوطن يعتبر مشاركة في جريمة اغتيال رصيد هائل من الطاقات والسواعد القوية التي كانت موجهة لرفعة وتقدم الجميع …


انني وفي هذه العجالة السريعة أدعو كل حر أن يكون وطنه من أولى أولوياته لأنه خارج هذا الوطن لن يجد الاستقرار الذي ينشده ولا الاحترام والتقدير الذي يطلبه ولا الراحة النفسية التي يحلم بها ، فكلنا ليس لنا مخدع آمن إلا هذا الوطن وليس لنا هواء عليل إلا هواءه وليس لنا تربة نستطيع ان نمشي عليها بكل ثقة إلا تربة هذا الوطن ..فاللهم احفظ أوطاننا آمنة مطمئنة ..