فوزي بن يونس بن حديد -
abuadam-ajim4135@hotmail.com -
هذه المرة حدّد وليس جدّد كما ورد في المقال السابق، فالحياة إن كانت بلا هدف محدد فهي بلا معنى، والهدف رمز الحياة وتعبيرعن الوجود ككيان له عقل يفكر به وله وزن في المجتمع، فهو ضروري لاستمرار حياة الفرد في الدنيا بسلام وهو الذي يعول عليه الإنسان ليستمر في وجوده لحين انتهاء أجله، فلئن كان الإنسان عموما يركض وراء هدف واحد دنيوي وهو تحقيق السعادة لنفسه في الدنيا فإن المسلم يجب أن يكون له هدفان، أحدهما دنيوي والثاني أخروي وهما هدفان متكاملان، لأن الهدف الدنيوي يدهن بصبغة أخروية وهو محطة للوصول إلى الهدف الأسمى وهو رضا رب العالمين والدخول لجنته وهو مبتغى كل مؤمن عاقل فقه الحياة وعلم ما ترمي إليه حياته.
فتحديد الهدف هو تحديد لمسار الحياة، والوصول للهدف من أعظم النجاحات، غير أن أمامك طريق طويل للوصول إلى ما تريد، وعبروسائل أنت من يحددها، وخطة كاملة متكاملة ومتناسقة الخطوات تستطيع من خلالها أن تصل للهدف ولو صادفتك عقبات أو مطبات فلديك من البدائل ما يؤهلك لاختيار ما تشاء منها لاستخدامها عند الضرورة وعند حدوث تعرجات في الخطة الرئيسية، وهذا يتطلب تفكيرا عميقا في ماهية الهدف الذي تبغي الوصول إليه فليس الأمر سهلا كما نعتقد لأنه يرتبط بمصير الإنسان وحياته في الدنيا والأخرى، كما يتطلب أيضا نفسا طويلا لتحقيقه وترويض هذه النفس على تحمل المشاق والصبر على الإهانات وربما الاعتداءات وكثيرا من المشاحنات وعدم التفكير في الهروب أو الانسحاب، بل لا بد من مواصلة المشوار بكل عزيمة واقتدار لأن الانسحاب هزيمة لا محالة قد يصاب صاحبها بنكسة عظيمة تدمّر كل شيء وتجعل بعض المكتسبات تذوب في كأس مرارة الحرمان من الوصول إلى المبتغى.
ومن الطبيعي، أن يرسم الإنسان خطة متكاملة متناسقة للوصول إلى ذلك الهدف، هذه الخطة تساعده على إكمال المشوار بكل ثقة وعزيمة وإصرار، متى كانت واضحة البيان، عناصرها مترابطة لا ينتقل من عنصر إلى آخر إلا بعد استيفاء العنصر الأول حتى لا يصيب الخطة شرخ كبير يبعثر الأوراق ويخلطها، هذه العناصرلا بد أن تكون واضحة المعالم معلومة السبل يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وكلما ينتهي الإنسان من عنصرانتقل إلى آخر بسلاسة، وعليه أن يفهم ذلك العنصر ويتأنى جيدا في تفاصيله ولا يتسرع ولا يتعجل حتى لا يصاب بوعكة تفسد عليه لذّته في الوصول إلى ما يريد. فهذه الخطة المرسومة لتحقيق الهدف هي النور وهي شعاع الأمل الذي يتمسك به المؤمن وهي الخيط الذي يصل عبره الإنسان إلى هدفه. ومن الطبيعي عند التطبيق أن يحتاج المرء إلى وسائل لتنفيذ ما تم رسمه، هذه الوسائل لا بد أن تكون شرعية وقانونية حتى لا يتهم بخرق المبادئ والقيم، ولا يلجأ إلى الوسائل غير الشرعية مهما بدت مغرية ومزينة لأنها لا تفيده وإن أفادته فإفادتها تكون لحين ثم ما تلبث أن تزول وتظهرعيوبها وتكتشف حيلها، فالحرص على اتخاذ الوسائل المشروعة لتحقيق الهدف هو الحصن الحصين من الوقوع في الزلل والخطأ حتى ولو تأخر تحقيق الهدف قليلا فلا بأس في ذلك لأنك ستظل تحاول مرارا وتكرارا ولا تستسلم لمثل هذه المغريات، وذاك هو المحك الذي يفصل المؤمن الحق القوي عن المؤمن الضعيف الذي يستسلم من أول امتحان وابتلاء.
تحديد الهدف ضروري لكل إنسان حتى لا تكون حياته عبثا، والإسلام دين يحث على ذلك والدلائل عليه كثيرة، كما أنه يمنحك السعادة في الدنيا قبل الآخرة، والآخرة خير وأبقى ومادام الأمل لا ينقطع فلا يحتار المرء من أنه لا يصل يوما وستبقى محاولاته بصيصا من الأمل نحو الرقي بفكره إلى مراتب العلا.