يوسف القعيد -
في هذا العام تمر مائة وست عشرة سنة على ميلاد فنان الشعب يوسف وهبي. الممثل الذي بعد الزمن بيننا وبينه. ومع هذا تجد- حتى الآن- من يقلده في طريقة أدائه لبعض جمله وكلماته التي تحولت إلى «لزمات» في حياتنا المعاصرة من كثرة ترديدها. مثل عبارة: ما الدنيا إلا مسرح كبير. وهي التي ختم بها دوره الحقيقي– أي الذي ظهر به باعتباره يوسف بك وهبي– في فيلم: غزل البنات. ورغم قصر الدور الشديد. إلا أن هذه الجملة تحولت إلى جزء من حياة الناس العادية.
الدنيا والمسرح الكبير ليست هي العبارة الوحيدة. فكلمة: ياللهول. تلك التي كان يقولها – ربما على المسرح أو في السينما – قد أصبحت ماركة مسجلة. تنسب له وحده. وحتى من حاول تقليدها من أهل الفن الذين جاءوا بعده لم يتمكن من نسبتها إليه. على أن الجملة التي تنسب إليه أيضاً. وتعتبر من صناعته هي تلك التى قالها في أحد أعماله الفنية «إن شرف البنت زي عود الكبريت. يولّع مرة واحدة فقط». وعندما كانت قيم مثل الشرف والصدق والكرامة والاحترام لها مكان في حياتنا. كان يتم ترديد المثل كثيراً. وعندما تراجعت القيم من حياتنا. تراجع المثل بدوره. ولم يعد أحد يتذكره أبداً.
عندما فكرت في الكتابة عنه. ذهب ذهني إلى مذكراته الشهيرة والمنشورة منذ سنوات بعيدة في دار المعارف. وعنوانها مبالغ فيه لدرجة عدم التصديق: «عشت الف عام». ولكن فوجئت في صباح اليوم التالي. بكتاب صادر عن الثقافة الجماهيرية هو: يوسف وهبي فنان الشعب. حرره وأشرف عليه محمد السيد عيد. والكتاب محاولة لتذكيرنا مرة أخرى بيوسف وهبي الذى من المستحيل نسيانه.
يوسف وهبي الذى حصل على لقب البكوية. عندما كانت في مصر ألقاب. وفي زمن يوليو الذي جاء بعده وألغى الكثير مما كان سائداً من قبل. ولكنه منح يوسف وهبي لقب فنان الشعب. ورغم إلغاء الألقاب وحصول يوسف وهبي على لقب جديد. إلا أن البكوية ظلت جزءاً من اسمه حتى رحيله عن عالمنا.
كان يوسف جزءاً من مرحلة التأسيس الأولى. كان فناناً شاملاً. مَثَّل للمسرح وللسينما. وأسس فرقة رمسيس. أشهر فرقة مسرحية فى الوطن العربى. منذ أن عرف فن المسرح وحتى الآن. وعندما لم يجد المؤلف الذى يضيع له أفكاره. اتجه إلى الكتابة. أما عن الإخراج فقد أخرج. والتمثيل فقد مثل. وكان مدرسة فى التمثيل. يميل إلى الأداء التراجيدى المليودرامى. حيث يصل فى أى مسألة حتى النهاية. أو ما بعد النهاية.
ولأنه مدرسة كان من الطبيعى أن يكون له تلاميذ. وأن يظهر له مقلدون. أشهر تلميذة له كانت أمينة رزق. وأشهر من قلده كان أنور وجدى. حيث كان جزءاً منه فى مدرسة الأداء. ورغم أن الجزء الذى بقى لنا منه ونراه حتى الآن هو مشاهدة فى السينما. إلا أننى أعتبر أن شرعيته الأولى والأساسية هى كونه ممثلاً مسرحياً. وحتى أداءه فى السينما كان أداءً مسرحياً.
وعلى الرغم من أن التليفزيون المصرى. عندما بدأ إرساله فى سنة 1960 سجل له 23 مسرحية من تراث فرقة رمسيس. إلا أن هذه المسرحيات لا حس ولا خبر. ولا نراها ولا نشاهدها. لا فى المناسبات العامة ولا الخاصة. وأتمنى لو أنها مازالت موجودة حتى الآن.
يوسف وهبي مولود فى الفيوم. بالقرب من بحر يوسف. ويقال أن اسمه يعود إلى ميلاده على هذا البحر. وهو الابن السادس لعبد الله «باشا» وهبي. الذى كان يعمل مفتشاً لعموم الرى بالقطر المصرى. ومن جيله محمد ومحمود تيمور وزكى طليمات. دفعه حبه للمسرح للسفر سراً إلى إيطالياً سنة 1918. ولأنه بطل المليودراما فى تاريخنا فلابد من القول أنه سافر وليس معه مليم واحد. ولا يعرف كلمة واحدة من اللغة الإيطالية. والطبيعى أنه يعانى من الجوع والحرمان.
وفى سنة 1922 توفى والده. وعاد إلى مصر وحصل على نصيبه من الثروة التى تركها والده. واختار دار سينما راديو بشارع عماد الدين. وشيد فيها مسرحاً سماه مسرح رمسيس. الذى أصبح مسرح الريحانى فيما بعد. وزوده بأحدث معدات الإضاءة التى استوردها من إيطاليا. فى العاشر من مارس سنة 1922 رُفع الستار عن أولى مسرحياته لفرقته «رمسيس». وهى: المجنون. وشاهد الجمهور المصرى لأول مرة أوركسترا يعزف افتتاحيات الفصول ويصاحب المشاهد التمثيلية أحياناً.
بعد نجاح المسرحية. قدمت الفرقة: غادة الكاميليا. وبعد نجاحها أيضاً أصبح يقدم مسرحية جديدة كل أسبوع. وهكذا تم فتح الباب أمام مؤلفى مسرح مصريين وأشقاء عرب. فكتب أنطون يزبك مسرحية: الذبائح. ولأن يوسف وهبي كان يدرك طبيعة العصر الاجتماعية. فقد اختار المليودراما. وعندما لم يسعفه المؤلفون بنصوص مسرحية جديدة كتب بنفسه للمسرح. وكانت أولى مسرحياته: الجاه المزيف. والتى ظهرت فيها عزيزة أمير لأول مرة. ثم كتب: الصحراء. وبنات الريف. وأولاد الذوات. وأولاد الفقراء. حتى وصلت مؤلفاته إلى ستين مسرحية.
فى سنة 1930 أنشأ مدينة رمسيس التى تعرف الآن بمدينة الأوقاف. وشيد فيها مسرحاً وأول استوديو للتصوير السينمائى ومدينة للملاهى ونقل إليها محطة الإذاعة الأهلية. وأنشأ مسرحاً آخر عملت عليه فرقة منيرة المهدية ثم فرقة الريحانى. قدم لأول مرة الاستعراض المسرحى. الذى يعتمد على الرقص والغناء والتمثيل. حيث قدم خفايا القاهرة «وصندوق الدنيا». ولأنه كان يجيد العزف على البيانو فقد كان يشترك فى وضع الموسيقى التصويرية لبعض أفلامه. كما كان يشترك فى وضع ألحان الأغانى التى تصاحبها.
وهو أول مدير للفرقة المصرية عام 1948. التى سميت بعد ذلك بالمسرح القومى الذى أداره فى بداياته الأولى. وقد قام بأكثر من أربعين رحلة فنية إلى البلاد العربية وشمال أفريقيا وأمريكا الجنوبية. كما مثلت فرقته على مسرح باريس. كان من الفنانين الذين يؤمنون أن المسرح مفجر الثورات فى التاريخ. كان يرى أن مسرحيات فولتير وموليير التى فجرت الثورة الفرنسية. وأن رواية كوخ العم توم أول صرخة لتحرير العبيد فى أمريكا. ولهذا كان مسرحه يهدف إلى هذه الرسالة. ولهذا أيضاً كان صوت الوعظ والخطب فى نصوصه المسرحية عالياً. خاصة أنه بدأ فى مصر التى كانت عانى من الإقطاع. والحكم الملكى.
كتب المرحوم سامى السلامونى عن المرحوم يوسف وهبي:
- ولأن يوسف وهبي كان أحد العباقرة الذين وضعوا أيديهم – مبكراً جداً – على نوع الإفكار والأخلاقيات التى ترضي الوجدان المصرى البسيط. لعب على هذا الوتر الحساس – القناعة كنز لا يفنى – بذكاء شديد. سواء فى سفير جهنم أو فى العديد من أعماله الأخرى ثم أصبحت هذه المدرسة راسخة فى الفيلم المصرى. لقد كان يوسف وهبي حالة خاصة فى السينما المصرية.
كان يقال عنه أنه حسن الحظ. وكان يتصور عن نفسه أنه منذور من أجل إنقاذ فن التمثيل. وكانوا يقولون عنه العظامى. نسبة إلى العصامى مع إضافة العظمة بدلاً من العصامية. ويمكن القول أن يوسف وهبي حصل فى حياته على فترينة من الألقاب والأوصاف. وكان من هذه الألقاب: دكتاتور الكواليس.
كان يوسف وهبي استعراضياً. يجيد الاستفادة من كل شيء فى حياته. ويحوله إلى فوائد تعود عليه بأكثر مما يريد. ورغم تقلب الأحوال وتغير كل ما فى مصر. حيث أسس فرقة رمسيس والملك فؤاد يحكم مصر. ثم عاصر فاروق ومحمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات. إلا أنه استطاع الاستمرار بمعجزة من النوع النادر. بل إن تحويل بيته إلى فندق فى أيام عمره الأخيرة استفاد منها. وحولها إلى دعاية لنفسه. مارسها فى السنوات الأخيرة من عمره.
يوسف وهبي:
ميلاده: 17/7/1898
رحيله: 17/10/1982