حين فقدت بصري

بقلم / أمل عبدالرحمن اليربوع -

نتساءل يوما عن كل ما مضى من عمرنا ونجبر أنفسنا على عدم الانكسار ونبحث في دواخلنا عن مهرب آخر لعل وعسى أن نجد فيه بعضا من ذكرياتنا، كانت حياتي مليئة بمغريات الحياة التي حلمت بها وتمناها غيري وبالرغم من عدم اكتراثي لما أنا علية حاولت ان اعطي لنفسي ذلك الشعور المتراخي الا وهو انني امتلك كل شيء وبوسعي ان احقق ايضا ما أتمناه، ونسيت ان الحياة ما هي إلا حياة فارهة خالية من كل شيء، وقد تعني لا شيء، واستيقظت على غفلة لأدرك حجم ما أنا عليه.

لكل بداية نهايةأ ولأحكي قصتي بكل تفاصيلها، في خريف صلالة الرائع استيقظت لأعي تماما انني قد انتقلت من مرحلة الشهادة العامة، وعلي أن احصل على معدل جيد استطيع من خلاله ان انتسب الى أية جامعة سواء داخل السلطنة او خارجها، وكانت لدي فرصة وهي ان اعلن هروبي الى الخارج، ربما ليس بهدف الدراسة وإنما التغيير والرفاهية والعيش بعيدا عن ظل اسرتي، اخبرت والدي انني اريد ان ادرس بالخارج، ووافق على قراري دون اي امتعاض او تساؤل، اما أمي فهي المتشددة الرافضة لكل شيء، ولكن استطعت ان اقنعها عن رغبتي وانني لا افكر بالدراسة داخل السلطنة، فوافقت ولكنها أعدت قائمة طويلة عريضة بشروطها، او كما اسميها القوانين الخارقة، ولكي اتجرد من كل ما تريده اعلنت استسلامي لها وقبولي بما تريد، ليس بمعنى القبول وانما الهروب يا امي، وكنت اريد ان اصرخ واقول لها لقد فاض صبري لا اريد ان اسمع المزيد، وهي تردد هل سمعت يا خالد، قلت لها سمعا وطاعة يا امي لكن ما تريدين؟ كان هذا هو الحل الوحيد حتى تسكت وننهي المسألة، فأجابتني وفقك الله يا ولدي، كانت تلك الكلمة التي لن انساها ابدا، انتبه لنفسك يا حبيبي كن على تواصل دائما بنا، لا تنسَ صلاتك ابدا حافظ عليها سمعتني الا صلاتك يا بني، قلت لها سمعا وطاعة يا والدتي الجميلة.

في اليوم التالي جهزت الأوراق المطلوبة لنرسلها الى احدى الجامعات بالخارج، وبعدها بأسبوع ذهبت مع وأبي وامي الى ماليزيا وذلك للتسجيل بالجامعة والتعرف على المدينة واين سأسكن، وبعد أن اطمأنا على حالي وتوفير كل مستلزماتي غادرا عائدين الى السلطنة، بدأت النقلة النوعية التي اسميها لا رقيب ولا حسيب، لقد ذهبت من كانت تراقبني وتحاسبني وتؤنبني، وذهب والدي غير المبالي لأمري والمهتم بأموره الخاصة، وتركا لي المجال والحياة التي سوف اعيشها بعيدا عنهم، يا للروعة بدأت الحياة في ماليزيا.

تعرفت على بعض من الشباب من دول الخليج وآخرين من شرق آسيا وبذات الانفتاح شيئا فشيئا، قل حضوري إلى القاعات الدراسية، بدأت أحب السهر كثيرا وأذهب الى الملاهي الليلية والمراقص، وارجع يوميا صباحا وبدأت أنسى شيئا اسمه الصلاة، وكان والداي دائمي الاتصال بي فكنت أوهمهما انني بالجامعة حيث اغير صوتي وامشي وافتح الابواب بالشقة وكانا يصدقان كل ما اقول، بعض المحاضرات كنت احضرها والبعض الآخر كنت اهرب منها مع من تعرفت عليهم، في السنة الاولى رغم عدم التزامي بالدراسة وسهري اليومي كنت انجح دائما واحصل على درجات لا بأس بها، وهذا ما كان يطمئنني قليلا؛ حيث عندما يأتي أهلي لزيارتي ويسألون عني بالجامعة كان بعض الاساتذة يمدحونني ولكن يقولون لوالدي ان ابنكم غير منضبط بالحضور الى الجامعة فهو يتأخر كثيرا، استطعت بطريقتي الخاصة ان احل تلك النقطة مع والداي واقتنعا ما جعلهم لا يكترثون وإنما انني ادرس وانجح فكان هذا المهم لديهم، أما التأخير فهذه مسألة سهلة الحل.

واستمر الحال طوال 3 سنوات تقريبا، ثم انتقلت الى مرحلة كانت بصمة بحياتي لا استطيع نسيانها ابدا، فكانت مثل العار والهم معا، وجعلتني دائما افكر في آخرتي وكيف ستكون نهايتي، لا اخفيكم علما كنت اسكر وتعودت على هذا الشيء المقرف لثلاث سنوات وأهلي لا يعلمون بحالي ، لم اتوقف ولم امنع نفسي ايضا عن رفقاء السوء الذين يمشون معي، لا استطيع الابتعاد عنهم، كلما واجهتني مشكلة اسرع اليهم، وكنت اجد راحتي وسعادتي فيهما، ولم ،ادرك انهما تعاستي وشؤمي ودمار حياتي ومستقبلي، لم ادرك حجم ما خلفته من ورائي، ابي وامي واهلي، وبلدي الذي تركته من اجل أن أتعلم وان اعود إليه رافعا رأسي بشهادتي ولأخدمه، كل ذلك تاه وتبخر وأصبح من الماضي الأليم الذي ما زلت أرتحل معه اينما ذهبت، أفقت على كابوس حينها عندما كنت اشرب ذلك الشيء، ومع سماع الأذان تجاهلت ذلك النداء، تجاهلت ان اتوب الى الله، إلى ان احسست بألم بصدري، لم اجد من يساعدني، تألمت شعرت انني قد غادرت الحياة فسقطت على الارض وانا لا ادري بحالي، فاستيقظت بعد خمسةعشر يوما، نعم بعد هذه المدة، وانا لا ادري بحالي هل انا ميت ام حي، هل حانت ساعة الحساب، افقت على ندم يكاد يقتلني، افقت على صوت امي وابي وهما يصرخان: لقد افاق الحمد الله، كنت اسمعهما ولكني لا اراهما، اشعر بحركتهما، اريد ان اصرخ واقول: اين انتم، هل انتم معي حقا، ام انني احلم وانني قد مت؟ فأمسكت امي بيدي وهي تحضني ولدي حبيبي، وانا اقول امي اين انتي تقول انني معك، فأجيبها ولكني لا اراك! فكانت الصدمة التي لم اعها ساعتها انني فقدت البصر، بدأت اسمع صراخ امي وابي والطبيب، وحين اخبرهما انني فقدت البصر صرخت باعلى صوتي لا لا وبكيت.

هذا اليوم لن انساه ما حييت، بدأت حياتي تأخذ منحى اخر، بدأت اصلي بمساعدة والدي ووالدتي، وبدأت احفظ القران من خلال مسجل صغير دائما احمله معي، اذهب للصلاة دائما برفقة ابي او اخوتي الى المسجد، لم تفتني ابدا أيه صلاة، بدأت اجالس الاخيار من الناس وكانوا يسعدون بصحبتي ولم تشكل تلك الاعاقة ايه احراج او مشكلة بالنسبة لي، تعودت عليها فقلت هذا ابتلاء من رب العالمين، قررت ان اذهب للعمرة مع والدي حيث احسست براحة بال وسعادة لا نهاية لها، رجعت لبلدي وانا في اسعد حال ورضا نفسي تام، وفي يوم من الايام افقت من نومي على صوت الاذان الفجر، ومع اني كل يوم افيق قبل هذا الوقت بربع ساعة، ولكن هذه المرة افقت لأشرب الماء، وذهبت الى المطبخ واخذت بعضا من الماء وارتويت، وانا امشي شعرت بشيء لم انتبه اليه، انني ارى!، فلم اصدق نفسي حينها قلت: رحماك يا رب، رحماك يا رب، وذهبت لأصلي ركعتين، ومن ثم افاق والدي وذهبنا الى المسجد للصلاة، لم اخبر والدي انني ارى، مشيت وانا امسك بالعصي ومعي والدي، وبعد انتهائنا من اداء الفروض جلست ادعي ثم ذهبت لشيخ المسجد وقصصت علية قصتي فتفاجأ، ثم انتبه والدي وجاء فقال ما الحكاية، فقال له الشيخ هذا ولدك قال نعم ابني خالد، قال الشيخ ان الله اكرمه في هذا اليوم، فقال والدي ماذا به؟ فقال الشيخ الم يكن ولدك اعمى، قال نعم، فقال الشيخ تبارك الله رب العالمين، انظر الى ولدك لقد تعافى ورد له بصره. فكانت مفارقة عجيبة بحياتي، فتغيرت من حال كنت لا أعلمها الى حال افضل وشخص مسؤول ويخاف الله في كل شيء، فكتبت قصتي هذه لكم لتكون عبرة وعضة، وان مغريات الحياة ما هي الا قناع نتستر من خلاله، فاحرصوا على التقرب من الله.