رندة صادق –
randanw@hotmail.com –
لا خلاف على حاجة الانسان التلقائية للانتماء، وحاجته تعود إلى فطرته، فهو من بدء تكوينه كجنين في رحم أمه يشعر بالانسلاخ حين تبدأ رحلته بالحياة، ولأنه من طين يتعلق بالأرض والمكان، ولأنّه يولد في بيئة لها خصوصياتها الفكرية والعقائدية يرتبط إلى حد الهلع بمحيطه. احساسه بالانتماء أعمق من فهمنا وأبعد من وعينا حتى أني لا أتردد أن أعيده الى الجنة التي أوقعته منها ( التفاحة) فهو يتخبط بحثا عن سعادة منشودة وعدالة مطلقة فقدها بجنة بات من الصعب عليه دخولها الا برحمة الله. ومن أهم أنواع الانتماء الانتماء للوطن للثقافة للدين للعقيدة وللأرض مما يسمح لنا بسؤال: هل هذا الانتماء هو من يولد لدينا التطرف الضيق، أما خوفنا من فكرة الانسلاخ والتهجير والإبادة والغربة يخلق لدينا هذه النظرة؟ عند بحثي بعلم الاجتماع النفسي الذي هو أحد فروع علم النفس الأساسية وجدت أنّه كما عرفه (جوردون ألبورت) أحد الآباء المؤسسين لعلم نفس الشخصية، حيث يُعرِف جوردون ألبورت علم النفس الاجتماعي كالآتي: “هو المنهج العلمي الذي يعمل على دراسة و فهم كيفية تأثر تفكير و مشاعر و أفكار و سلوك الأفراد بالحضور الحقيقي أو الضمني أو الخيالي لأشخاص آخرين”. بمعنى ما تمثله القدوة ورد الفعل من تشكيل الاتجاهات الاجتماعية، كذلك ما يمثله المشاهير كرموز أثرت في تشكيل الوجدان الجمعي لمجتمع ما، من هنا يمكننا القول أن هذا الانتماء وأبعاده السيكولوجية هي التي قد توضح لنا الى أي مدى من الممكن أن يبلغ الانسان درجة عالية من التطرف وإلى أي درجة من الممكن أن يحارب الإنسان من أجل هذا الإنتماء ويتطرف؟ ليس فقط بدافع ديني كما قد يتبادر الى ذهن القارئ أي (ظهور الجماعات الاسلامية المتطرفة) بل هو أبلغ وأعمق، فالتطرف موجود في كل الأديان (الحملة الصليبية على الشرق )، الفكر التهجيري الذي تبناه المتطرفون اليهود، اضافة الى كثير من مجازر الإبادة التي عرفها التاريخ على خلفيات غير دينية.
مما لا شك فيه تتأثر سلوكياتنا ومفاهيمنا ومعتقداتنا واختياراتنا بعلاقتنا بالعالم الخارجي، كما تتأثر بنظرة الآخرين لنا، ومن علم النفس الاجتماعي يتفرع علم نفس الجماعة الذي هو علم سلوكي حديث في أطروحاته وتطبيقاته وقديم في أفكاره ونظرياته، وهو يقدم فهما لسلوك الأفراد أو أعضاء الجماعات بهدف التعرف إلى سلوك الجماعة وأدائها وقدرتها على أن تصبح جماعة فعالة قادرة على تحقيق أهدافها. وسلوك الجماعة لا يمكن أن يحدد بسلوك الأفراد فقط نظرا لأثر التفاعل والتأثير بين الأعضاء وتأثر الأعضاء بمجموعة كبيرة من المتغيرات التي تنعكس على سلوك الجماعة خلال مواقف التفاعل الاجتماعي، كتأثير القيادة والسياق الاجتماعي والبيئة المادية للجماعة وخصائص أعضاء الجماعة الاجتماعية والشخصية التي تتفاعل مع بعضها بعضا لتعقيد هذه المهمة، مما يجعل سلوك الجماعة أكثر تعقيدا من النظر إليه على أنّه مجرد حاصل جمع سلوك أعضاء الجماعة (كتاب علم نفس الجماعة – الدكتور عدنان يوسف عتوم) بعد هذا التبسيط وتحفيز العقل على طرح الأسئلة التي يفرضها واقعنا العام: هل نحتمي من العالم الأوسع بأن نغرق في العالم الأضيق ونعزل عقولنا وقلوبنا عن التفاعل وقبول الآخر؟ الانتماء لا يبرر التطرف بل على العكس علينا دائما أن نفكر بحق الآخر في تواجده القريب منا، بل واحيانا متداخلا مع بيئتنا انسانيا دون أن نعزله أو نعزل أنفسنا عنه خوفا منه فنخلق رعبا اجتماعيا غير مبرر.