اضاءة: المشهد المهيب

سالم بن حمدان الحسيني –

كم هو مشهد مهيب ذلك الزحف العظيم من البشر وهو ينساق لداعي الله الى حيث اراده عز وجل ان يكون فيه الزمان والمكان.. الى ذلك الصعيد الطاهر.. الى صعيد عرفة.. الى حيث تتلهف القلوب شوقا لضيافته وكرم عفوه وعطائه.. الى حيث الألسنة تلهج بذكره والأصوات تعج بتلبيته (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك، لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

تنساق اليوم تلك الجموع الهائلة في مشهد يهز وجدان العالم حينما ينظر اليهم وقد اتحدت قلوبهم كما اتحدت أثوابهم جاءت من كل اصقاع الدنيا وكأن نداء أبيهم ابراهيم يطرق اسماعهم في كل عام يبعث فيهم نداء الفطرة التي فطرهم الله عليها وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).

انه لمشهد مصغر من مشاهد يوم القيامة.. يوم الحشر والندامة.. مشهد يذكر الانسان بذلك اليوم (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) ما اعظمها من رحمة تتنزل في هذا اليوم المبارك.

ما اكثر الآيات البينات في الذكر الحكيم التي جاءت محذرة مذكرة بمشاهد يوم القيامة.

ان هذا اليوم المبارك يوم عرفة ما هو إلا بيان لهذه الآيات الدالة على مشهد ذلك اليوم وتذكير عملي لما سيكون عليه العرض الاكبر يوم المحشر.. حيث تحشر كل مخلوقات الله من الأنس والجن والأنعام والطيور والزواحف والوحوش وغيرها من مخلوقات الله سبحانه منذ بدء الخليقة وإلى ان يرث الله الأرض ومن عليها ) إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ).

في هذا اليوم المبارك يوم عرفة لم تملك النفوس المستكبرة السادرة في غيها وضلالها وهي تستشعر ذلك اليوم الا ان تنقاد ذليلة مستصغرة محتقرة نفوسها الضعيفة فترجع تائبة آيبة حيث تتلقاها رحمته سبحانه التي تتنزل في هذا اليوم العظيم فتهديها الى حيث رضوانه ومغفرته . ولا تملك حينها الأعين الا ان تنهمر بالعبرات وتتهلل الوجوه بالمسرات فتنفض عن كواهلها الذنوب والمعاصي لترجع من حيث أتت وقد غفرت ذنوبها بعدما صدقت توبتها وتقبل الله حوبتها)ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

ان هذا اليوم هو أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها في سورة منبها على عظم فضلها وعلو قدرها حيث يقول: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) وهي التي قال عنها نبي الرحمة عليه افضل الصلاة والسلام: (ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). وقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه يكفر السنة الماضية والسنة القابلة). وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة حيث يباهي الله بأهل عرفات أهل السماء . كما دل على ذلك الكثير مما ورد عنه عليه الصلاة والسلام، ثم يأتي العيد كتتويج ومكرمة إلهية حيث يفرح المؤمن ويمرح مستبشرا بنعمة الله عليه حيث يتشارك الغني والفقير اللقمة ويوحدون الدعاء حمدا وشكرا على هذه النعمة العظيمة من خالق الأرض والسماء.