نوافـذ: الآفات تأتي من الخارج

محمد الحضرمي –

Fuyodh2@yahoocom –

يأتينا المستورد من الخارج، حاملا إلينا لون بلاد لا نعرفها، ومخبئا نكهة بلاد مجهولة عنا، فننبهر به، غاضين الطرف عن العيوب المحتملة والحالات الطارئة التي قد تحدث بسببه، ونثق بالتزكية الممنوحة لذلك المنتج المستورد، ولكن لا تمر إلا سنوات معدودة حتى يظهر أن ما استوردناه ليس بأفضل مما ننتجه، لأنه يحمل الوبال والوباء، وأن المجتمع الذي يعتمد على منتجه المحلي يعيش في حصانة من أي دخيل مرضي طارئ لا سمح الله.

قبل سنوات ليست ببعيدة، تسللت إلى نخيل السلطنة حشرة حمراء طائرة، تعرف باسم «سوسة النخيل»، اكتشفت عام 1993م، وهي حشرة خطيرة يشبهها البعض بمرض الإيدز الذي يصيب الانسان، واليوم تشكل حالة رعب لدى المعنيين في وزارة الزراعة والثروة السمكية، وجهات أخرى متعاونة مع الوزارة، ومعنية بالحفاظ على ثروتنا الزراعية، حالة رعب حقيقية، أنفق لها الكثير من الجهود والطاقات، وما يزال الرعب جاثما، والخطر محدق بضواحي النخيل الغناء، التي صرنا نخشى عليها منها، ورغم الجهود المبذولة إلا أنها ما تزال تشكل تهديدا ورعبا، وما تزال متابعتها وملاحقتها مستمرة.

وقبل سنوات ليست ببعيدة أيضا، كانت لدينا مزارع ليمون، يلون اخضرارها الأفق، وكانت رائحة زهره الأبيض العطرة تبهج النفوس وتشرح الصدور، ولطالما صنعت أمهاتنا أطوقا من ياسمينه الغض، وشكت بالمخيط عقودا من «البل» اليانع، لزهور الليمون، لكن ذلك الاخضرار مُحي، وأشجار الليمون جفت وهي واقفة، بسبب إصابتها بمرض «مكنسة الساحرة»، وهذا المرض لمن لا يعرفه يسمى أيضا القمة العنقودية أو التشوه الخضري، عاهة يشبهه البعض بالسرطان الذي يصيب الانسان، هذا المرض تم اكتشافه في السلطنة أواخر عام 1974م، ثم تلاه مرض «ذبول المانجو» ظهر في السلطنة عام 1998م، وأفادت دراسة علمية عن موت أكثر من 200 ألف شجرة مانجو، أليست هذه خسارة كبيرة؟.

ومن العاهات التي أصيب بها النبات، إلى العاهات التي يسببها الحيوان للإنسان، حيث يعيش المجتمع حالة هلع وقلق، بسبب الحمى النزيفية، هذه الحمى التي فتكت بسرعة دمارية وعدائية بأحد الشباب في ولاية الحمراء، كان صباح العيد بخير وصحة وعافية، ولكن ما إن تسلل الفيروس القاتل إلى دمه، بسبب جرح أصيب به أثناء تقطيع اللحم، حتى بدأ يشعر بالحمى، ودخل المرحوم في معاناة استمرت خمسة أيام، حتى فارق الحياة، أسأل الله له الرحمة، وأن يصبِّر أهله على فقدانه.

والغريب في الأمر أن «حمى القراد النزفية» مسجلة في السلطنة منذ عام 1995م، بحسب تصريح معالي الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية، المنشور في الصحف المحلية الاثنين الماضي، هذا المرض تسببه حشرة القراد الناقلة للفيروس، وهي حشرة مقززة تلتصق بإيهاب الحيوانات، فتغمس منشارها في الجلد، وتبدأ في مص الدم.

ولأن المشكلة لا تعظم إلا حين تقع الكارثة، فإن هذه الحمى تسبب مؤخرا في وفيات وإصابات أصبحت مقلقة ومخيفة، فهل كل الحيوانات المصابة بالقراد تحمل في دمها جرثومة الحمى النزفية؟، سؤال محير ومقلق، ولذلك اتصلت بمركز التنمية الزراعية، وتحدثت مع أحد المختصين، وفهمت من حديثه أن «القراد» المحلي يختلف عن القراد المسبب للحمى النزفية، وأن الحيوانات المستوردة من افريقيا وأثيوبيا هي التي تحوم حولها شكوك الإصابة والمصيبة.

وإذن تأتينا العاهات المرضية من الخارج البعيد، من اللحوم التي نأكلها ونشتريها حية، غاضين النظر عن جودة وصحة المنتج المحلي، المصائب تأتينا من المستورد، فنحن لا نعرف ماذا تخبئ لنا هذه اللحوم التي نشتريها حية من المزارع، أو تأتينا مكفنة في ثياب بيضاء بعد ذبحها، أو نشتريها مطبوخة من المطاعم، لا نعرف ماذا تخبئ لنا خلاياها من أمراض فتاكة، ولا نعرف هذا السوق بماذا يموج من أمراض.