ندوة الفنون التقليدية بالبريمي.. بحوث تخصصية لم يحضرها أحد!!

مسعود الحمداني –

على مدى يومين أقيمت الأسبوع الماضي في ولاية البريمي (ندوة الفنون التقليدية ) والتي تأتي ضمن اهتمامات وزارة التراث والثقافة ممثلة في المنتدى الأدبي، ورعى حفليّ الافتتاح والختام معالي الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام، وبحضور سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية، وسعادة السيد إبراهيم بن سعيد البوسعيدي محافظ البريمي.

تضمنت الندوة عددا من البحوث التخصصية في الفنون التقليدية، وألقت الضوء على بعض الجوانب التي أشبع كثير منها بحثا، ودراسة، في ندوات سابقة، ففي الليلة الأولى (الأربعاء 22 أكتوبر) قدّمت الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية ورقة حول (الفنون التقليدية والنمو المعرفي للإنسان العماني- فنون الأفراح أنموذجا) حيث تناولت أغاني الأعراس، ودلالات الكلمات فيها، بعد ذلك تحدثت عن التغيرات الاجتماعية التي طرأت على الزواج، والمهور، وعادات الزواج.

بينما قدم راشد بن مسلم الهاشمي الباحث في دائرة الفنون التقليدية بوزارة التراث والثقافة بحثا بعنوان (دراسة البنية الإيقاعية في الفنون التقليدية العمانية) وهو بحث موسيقي تخصصي جدا، تناول في بداياته مصطلحات الفنون، ثم تحدث عن البنية الإيقاعية والآلآت المستخدمة في عدد من الفنون، واستعرض بعض الفنون التقليدية بإيقاعاتها المختلفة في السلطنة.

وفي اليوم الثاني عقدت جلستان صباحية ومسائية، ففي الجلسة الصباحية قدمت حمدة بنت سعيد الشامسية ورقة عمل بعنوان (دراسة الفضاءات التواصلية للفنون التقليدية العمانية- فنون الزراعة أنموذجا)، وتناولت فيها أهازيج وأناشيد الزراعة القديمة في السلطنة، والأغاني التي كانت تردد في المناسبات المختلفة، وفي مواسم الحصاد، والتبسيل، وغيرها من مراحل الزراعة، وركزت الباحثة على زراعة شجرة (الكيذا) والطقوس، والأغاني التي كانت تصاحب زراعة هذه الشجرة الفريدة التي كان العمانيون يحتفون بها.

كما قدم الباحث جمعة بن خميس الشيدي ورقة بحثية حول (دراسة طرائق أداء الفنون التقليدية العمانية وتمظهراتها الدرامية- فن الباكت والنيروز أنموذجا)، وفيها تناول الباحث فنين يكادان يندثران هما فن الباكت الذي يمارس في ولايتي صحم وصحار فقط، والذي هو فن خليط بين المسرح (البوهيمي)، وتجسيد صور وأشكال الحيوانات، كما تناول الباحث فن (النيروز) الاحتفالي والذي تشتهر به خصوصا ولاية قريات بمظاهره الاحتفالية وطقوسه التي بدأت في الانحسار تقريبا.

بعد ذلك قدم الباحث حمود بن حمد الغيلاني ورقته التي حملت عنوان (علاقة الفنون التقليدية العمانية بالحياة اليومية للإنسان العماني – فنون البحر أنموذجا) وتناول خلالها الفنون البحرية التي يمارسها العمانيون أثناء رحلات الغوص، والصيد، والأهازيج التي كانت تصاحب تلك الرحلات، وأهميتها بالنسبة لهم، كمظهر من مظاهر الاحتفال بالذهاب والعودة، وتحميس البحارة، وغير ذلك مما يرتبط بالبحر وعاداته.

وفي ختام الجلسة قدم علي بن سالم الحارثي ورقة بحثية بعنوان (دراسة البنية اللغوية لنصوص الفنون التقليدية العمانية وخطابها اللساني – فن الرزحة أنموذجا)، وتناول خلالها التقطيع العروضي لمقاصب فنون الرزحة المختلفة، وتداخلاتها مع البحور الخليلية، وخروجها أحيانا عن الأوزان المتعارف عليها عند الخليل.

وفي الجلسة المسائية اختتمت الندوة بورقتيّ عمل، قدّم الورقة الأولى مسعود بن محمد الحمداني بعنوان (الفضاءات المكانية والزمانية للفنون التقليدية العمانية- فن المالد أنموذجا) حيث تناول فن المالد بطقوسه الروحانية، ونشأته، وأنماطه، والمؤثرات التي دخلت على بعض أنواعه، والتي أخرجتها من إطارها الروحاني، كما استعرض فضاءت المكان والزمان في (مالد البرزنجي) كنموذج شامل جامع لفن المالد بصورته الأصيلة.

واختتم المكرّم محمد بن حمد المسروري أعمال الندوة بورقة حول (دراسة أسلوبية نصوص الفنون التقليدية – فن العازي بأنواعه)، حيث استعرض أنواع العازي، وطرق أدائه، وأسلوب نظمه، مصحوبا بعرض حيّ للعازي قدمته إحدى فرق الفنون التقليدية.


لم يحضر أحد


هذه الندوة التخصصية ذات العناوين الجاذبة أكاديميا، لم تشهد حضورا مهتما بالفنون التقليدية، لا من جانب الأكاديميين والباحثين، ولا من جانب المهتمين الممارسين لهذه الفنون، ولا حتى من جانب حضور رسميّ مجامل!!.

وجُلّ ما فعلته المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة البريمي التي أقيمت الندوة على مسرحها أن أرسلت بعض طلبة الصفوف الابتدائية، لحضور الجلسة الصباحية في اليوم الثاني!!..بينما غاب الجميع عن الحضور..حتى مراسلي الصحف!!.

ولم يتعد الحضور من غير المشاركين في الندوة أصابع اليد الواحدة!!.

وهذا لعله يعود إلى ضعف العلاقات العامة لدائرة التراث بالمحافظة، أو لعدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الذي أثبت جدواه في مثل هذه المناسبات، أو لعناوين ومحاور الندوة التخصصية، أو لعزوف طبيعي عن حضور الندوات الأدبية والعلمية بشكل عام.


ملاحظات عامة


جاءت ندوة الفنون التقليدية كرقم يضاف إلى إنجازات وزارة التراث والثقافة، وهي ندوة تخصصية تعنى بالتراث والموروث الشعبي، وتسعى لتأصيل هذه الفنون، ومد جسورها بين الأجيال، إلا أن عدة ملاحظات صاحبت هذه الندوة، وقد تكون ملاحظات عامة على ندوات كثيرة تقام وتنتهي دون حضور، وربما يعود ذلك إلى:


1- عناوين الندوة، ومحاورها:

عناوين الندوة ومحاورها – كما هو واضح- عناوين تخصصية بحتة وهي محاور لا تكاد تخرج عن إطار (اللسانيات، وعلم الكلام، وطرائق الأداء والأسلوبية) إلى جانب تلك المفاهيم والمصطلحات الفضفاضة (الفضاءات..)، التي اختلف الأكاديميون في وضع تعريف خاص بها، وهي عناوين غير جاذبة للمهتمين وممارسي هذه الفنون، وإنْ كانت مهمة بالنسبة لأكاديمي تخصصي، وحتى هذا الأكاديمي لم يكن له أثر في مقر الندوة.


2- فئة المستهدفين:

كان من الأجدى أن يضع القائمون على الندوة الأهداف والاستراتيجيات البعيدة من إقامة مثل هذه الندوات، ومن هم فئة المستهدفين بهذه الندوة التخصصية، ومن ثم يتم اختيار محاور ومكان، وشكل وطريقة إقامة الندوة.

وكان بالإمكان أن تقام مثل هذه الندوة إما في صرح أكاديمي – كما أسلفت-، أو أن تقام كورشة عمل للمهتمين والباحثين في مجال الفنون التقليدية .

3- الدعوة للندوة:

رغم وجود الوسائل الإعلامية التقليدية كالصحف، والإذاعة إلا أن ذلك لا يغني عن وسائل التواصل الجديدة كالتويتر والفيس بوك، والرسائل النصية القصيرة، وهي وسائل أثبتت جدواها في مثل هذه الفعاليات.

كما أن لمكاتب الولاة دورا أساسيا في الدعوة لمثل هذه الفعاليات، وذلك عبر رسائل رسمية توجه لها، وهي ولا شك تتمتع بثقلها الاجتماعي في الدعوة لحضور المناسبات المختلفة، كما يجب التنسيق مع مؤسسات مدنية وعسكرية في المحافظات لإرسال عدد من موظفيها للحضور، وليس إرسال مندوب عنها.


4- غياب الخصوصية:

لم تحوِ محاور الندوة أي عنوان يخص الفنون التقليدية في محافظة البريمي كـ- (العيالة والرزفة)!!..وهو أمر يدعو للتساؤل، ففي حين أن المحاور تدور حول فنون تكاد تندثر، أو أخرى عامة، تمارس في معظم المحافظات، غابت الفنون الخاصة بمحافظة البريمي ومحافظة الظاهرة..

وقد يقول قائل بأن المحاور وُضعت قبل تحديد مكان إقامتها، إلا أن تلك حجة غير مقبولة، فالندوة تم تأجيلها من شهر سبتمبر إلى أكتوبر، وتم تحديد المكان قبل ذلك بثلاثة أشهر، وكان بالإمكان تدارك الأمر ووضع محور حول الفنون الخاصة بمحافظة البريمي أو الظاهرة.


5- عناصر جذب:

لعل مصاحبة الدراسة النظرية، بتطببق عملي سيشكل عامل جذب للحضور، أو على الأقل إيصال صورة بصرية حيّة للمتلقي تساعده على استيعاب ما يتم تقديمه من كلام نظري.

ورغم استعانة بعض الباحثين بوسائل تقنية (الشرائح) أو التسجيلات من الانترنت إلا أن ذلك لا يغني عن توفير مادة حيّة للفنون التقليدية يمكن الاستفادة منها كعرض مصاحب في مثل هذه الندوات، يقرّب الفكرة من الحاضرين، ولا أعني هنا عروضا حيّة لفرق فنون شعبية – كما حصل في ورقة محمد المسروري – ولكن يمكن الاستعاضة عن ذلك بعروض تلفزيونية مصورة وجاهزة للتقديم في مثل هذه الندوات، وهذا يتم بالتنسيق بين وزارة التراث والثقافة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. عموما..انتهت الندوة، ولم تنته آثارها..حيث ستطبع البحوث وأوراق العمل في كتاب قريبا لتكون متاحة لمن لمن يحضر.