مؤتمر الترجمة يختتم أعماله بالدعوة لتمكين المجتمع للتحول إلى منتج للمعرفة

أكد على أهمية تجربة المنظمة العربية للترجمة –

كتب ـ عاصم الشيدي –

دعا المؤتمر العربي السادس للترجمة أمس الدول العربية ومؤسساتها المتخصصة لتبنى تجربة المنظمة العربية للترجمة الناشطة في مجالات نقل المعرفة وتوحيد المصطلحات ونشر الكتاب المُترجَم على أوسع نطاق، كما دعا المؤتمر في ختام فعالياته إلى تأسيس واحات للترجمة في مختلف الأقطار العربية تعنى بمجال الترجمة واللغة العربية وإدارة المعرفة.

واختتم المؤتمر السادس الذي نظمته المنظمة العربية للترجمة واتحاد المترجمين العرب بالتعاون مع معهد بوليغلوت عُمان والنادي الثقافي العماني، تحت عنوان: «المعرفة والترجمة والتنمية» بعد ظهر أمس بعد ثلاثة أيام من تقديم أوراق العمل والنقاشات والمداخلات التي أثرت مشهد الترجمة وناقشت مشكلاتها وتحدياتها في الوطن العربي. وكان المؤتمر قد استهل أعماله بجلسة افتتاحية شملت كلمات لكل من اتحاد المترجمين العرب والنادي الثقافي والمنظمة العربية للترجمة واللجنة التحضيرية للمؤتمر. وتضمّن خمسة محاور ضمّ كل منها ثلاثة بحوث وتعقيب ركّزت بجلّها على دور الترجمة في إغناء اللغة العربية ودورهما في صناعة المعرفة وإسهاماتهما في التنمية الثقافية في العالم العربي.

وأكد المؤتمر في بيانه الختامي على أهمية إعداد سياسات وطنية للترجمة واللغة العربية لتمكين المجتمع العربي من التحول إلى مجتمع منتج للمعرفة. والتركيز على الترجمة العلمية ووضع برامج لإنجاز أساسيات العلوم التطبيقية ووضع المحفّزات الكفيلة للقيام بمشاريع لترجمة العلوم والتكنولوجيا.

ودعا المؤتمر في بيانه الختامي الذي تلاه الدكتور محمد الحارثي إلى تعزيز تداول اللغة العربية باعتبارها عنصراً من عناصر الهوية وأداة من أدوات الإنتاج واعتمادها أساساً في تعليم كافة المواد في جميع المراحل الدراسية، وهو ما يستلزم العمل على نقل العلوم والمعارف وتعريب المناهج الدراسية؛ والعمل على تعريب العلوم في مرحلة التعليم العالي على طريق التحول إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد.

كما أكد على ضرورة إيجاد معايير تحفيزيّة لوضع المصطلحات العربية المستحدثة قيد التداول. وتشجيع الترجمة التشاركية للكتب المرجعية بالتعاون مع كبار الخبراء الاختصاصيين والعلماء العرب لغرض الإسراع في نقل المعرفة والعلوم والتقانات. كما دعا البيان إلى تنظيم هياكل لإدارة المصطلح يضاهي تجارب الأمم الأخرى سابقاً وحاضراً والتعاون مع المنظمات العلمية لذلك. وتكثيف الجهود لوضع آلية جديدة لصناعة الترجمة تستوعب جيل الشباب وتستفيد من خبرات المترجمين الذين أسهموا إسهامات فعالة في تطوير الترجمة ونقل العلوم والعربية. وطالب المؤتمر جهات الاختصاص إلى إعداد مسارد معرفية ثقافية إلكترونية تشمل المفاهيم الاصطلاحية في العربية وتكون بمتناول المترجمين العرب.

ودعا المؤتمر إلى ضرورة استقطاب أساتذة وباحثين من خارج العالم العربي يجيدون اللغة العربية، ويمتلكون تجارب ناجحة ورائدة في حقل الترجمة للاستفادة من خبراتهم بغية إغناء المساقات الثقافية، وتنمية الفكر والعلوم والتقانات في الوطن العربي. وإلى ضرورة استكمال العمل الإحصائي الذي باشر اتحاد المترجمين العرب القيام به في بيروت، وتعميم هذه التجربة على سائر الدول العربية لتعريف الجمهور بالنتاج الترجمي وتلافياً لازدواجية الترجمة العربية وتمكيناً للعاملين والمهتمين من معرفة اللغات المصدر وتحديد المجالات وإيجاد المترجمين المتخصصين.

ودعا المؤتمر إلى تنظيم مؤتمر خاص بترجمة مصطلحات الفكر الإسلامي ودعوة المؤسسات التعليمية والثقافية إلى إيلاء هذا المجال الاهتمام الذي يستحقه بالنظر لاتساع دائرة الترجمة الدينية من العربية إلى اللغات الأخرى وحاجة هذا المجال للرعاية والتدقيق. ودعا البيان الختامي المترجمين العرب للانتساب إلى اتحاد المترجمين العرب تعزيزاً لصناعة الترجمة في الوطن العربي ودعماً للتواصل البنّاء فيما بينهم، وتجميعاً لجهودهم وصوناً لحقوقهم ودفاعاً عن مصالحهم.

وأكد المؤتمر في ختام فعالياته إلى أن العربية كانت ولا تزال لغة علم وثقافة ومعرفة وتواصل، موسومة بالمرونة والطواعية والبلاغة والإبانة.

وقبل تلاوة البيان الختامي برر الدكتور محمد الحارثي رئيس اتحاد المترجمين العرب عدم وجود جمعية عمانية للترجمة إلى إشكالات تنظيمية إذ قال: إن المشكلة ليست في القوانين والتشريعات بقدر ما هي في قدرتنا على استكمال النصاب القانوني ووجود متطوعين لتولي الإدارة الانتقالية. مشيرا إلى أنه متى ما وجد هؤلاء فإن إجراءات إشهار الجمعية ستكون سهلة وسريعة.

ومن المصادفات أن يكون رئيس اتحاد المترجمين العرب عماني ولكنه لا ينتمي في بلده إلى جمعية أو اتحاد للمترجمين لعدم وجود هذا الكيان في السلطنة حتى الآن.

وكان المؤتمر قد استكمل أعماله أمس بالعديد من النقاشات والمداخلات. وأكد الدكتور نادر سراج في مداخلة له عقب فيها على ورقة الدكتور محمد الديداوي أن الأول قد اعتبر الترجمة في نطاق المسار التأليفي العربي رافدا أساسيا له، استدل على ذلك من خلال التجربة المراكمة عبر التاريخ والتي أفضت إلى ملامسة مراتب التأصيل والمثاقفة، وفي نهاية مطاف تعريفي خصب حفل بمفردات التلخيص والشرح والتفسير والتوسّع والتأليف والإبداع، ولم يفقه بالطبع الإشارة إنها إمكانيات انطلاقها من النص المترجم الخام وغير المكتمل أحياناً.

ويعتقد بناء لما سبق أن المنتوج النصي العربي المبني على الترجمة أصبح من صميم الثرات العربي المتأصِّل ومؤسِّسا له، وإن في الرصيد العربي المتوارث أمثلة وفيرة على ذلك، قوامها المعرفة الترجمية التراكمية التي استند إليها كبار المفكرين، كإخوان الصفا وابن سينا وابن رشد وابن خلدون، على سبيل المثال لا الحصر. وقد نشطت حركة الترجمة وازدهرت في بيت الحكمة، أيام المأمون، وكذا في مدرسة الألسن ومدرسة طنجة للمهندسين، في أواخر القرن التاسع عشر، لأغراض تحديث الدولة.

كما لا يفتنا إلى أنها عرفت طفرة كبيرة في عصر النهضة في النصف الأول من القرن العشرين. لكن، ما مفعول الترجمة كما مورست في تلك العهود وفيما بعد وما مدى تأثيرها الفعلي في المجتمع العربي؟

وعلى الرغم من تحديده كافة المزايا والإيجابيات التي يمكن للترجمة أن تجعل من ثلاثية النقل والتأصيل والمثاقفة فعلاً، وعلى الرغم من أنه أقنعنا بطروحاته إلا أنه أهمل جانباً من حياتنا الاجتماعية والمعرفية بما قال. فهو لم يتطرّق إلى حوسبة المثاقفة وما للتقنيات الحديثة من تأثير فاعل يؤدي إلى تطوير الترجمة، ويجعل من مريديها بذاتهم مؤسسة مجتمعية يمكن أن تغير معالم الثقافة العربية. ومع بذلك، نعتقد، بأن ثلاثية الترجمة النقل، والتأصيل والمثاقفة قد تتحقق وتلبّي دوراً نهضوياً في تعزيز الوعي بأهمية الترجمة وتظهر التفاعل والتعادي بينها وبين العلوم المتصلة بها ناهيك عن الاستفادة من مخرجاتها.

وفي نهاية المطاف لا نملك إلا أن نثمّن جدية البحث وشمولية المعالجة التي تعكس خبرة متأصلة ومتراكمة لهذا الباحث الذي صرف جلّ عمره في خدمة صناعة الترجمة تحريرية كانت أم فورية وإبراز دورها في رفد الثقافة العربية بعلوم ومعارف وفنون وتقانات.

واستمر تعقيب سراج على ورقة الدكتور رجيلي فقد جاء مكملاً للبحث السابق، إذ أنه يركز جل همّه على الحوسبة واستعمال التقنيات الحديثة.

يرى الباحث أن التصميم العلمي القائم على توازن سجلات النصوص وأنواعها وأحجامها ومقاديرها وهو أساس تعميم نتائج الأبحاث، فالمدونة العالية التصميم هي المدونة التي تكون تمثيليتها للغة عالية أيضاً.

وسعى الباحث جهده في هذه الورقة كي يعالج إشكالية تصميم المدونات التي وصفها «بالخام» ناهيك عن المدونات الموسومة والمدونات المتوازية وأثرها على الدراسات اللغوية وعلم الترجمة وفق خطة عرضها عليكم.

إلا أننا بقدر ما لاحظنا باهتمام أهمية المقدمات التي عرضها الباحث وحاول معالجتها بالأدوات اللسانية، فقد لفتنا أن العلاقة بين لسانيات المدوَّنة وبنيويتها لم تكن مبنية بصورة منهجية تعمد في تصنيفها على العلاقة ما بين اللسانيات ونظرياتها من جهة، والمحتوى الإلكتروني لها من جهة.

وبالرغم من تخصيصه قسماً لهذه الأخيرة، فإنه لم يتمكن من الربط الناجح بين التصميم الحديث للمدوَّنات والتمثيل الفعلي للغة المستخدمة فيه. وهو ما يجعل عملية الاستفادة منها في مبتغانا المشترك بتجديد البحث اللغوي والدرس اللساني غير محتمل الحدوث وفق هذه الآليات.

ويبدو أن عدم الوضوح في النتائج المتوخاة يعود لعدم توفر الكفاية الذاتية لهذا الموضوع في اللغة العربية، في حين أن طرائق البحث المعتمدة وآلية التحليل تنبآن بجدية العمل ورصانة البحث وامتلاك الباحث لأدوات التحليل ومنهجياته.