من المهم توعية المجتمع بأهمية ثقافة النقد ومدى فعاليته في تحفيز الطاقات الإبداعية للإنسان للعمل على إزالة كل ما يحول دون تطوره. فمن خلال هذا المقال وددت أن أمارس النقد عله يوفر فرصة لممارسة الاختلاف وتجنب ديمومة التطابق أو التماثل مع القارئ إيمانا مني بأنه حق طبيعي للكشف عن كل ما هو سلبي لتسليط الضوء على الأخطاء الشائعة والأوهام الزائفة لمحاولة الوصول إلى المعرفة الموضوعية.
الموضوع قيد الطرح يدور حول جوانب الصواب الذي نعتمده لاتخاذ قرار ما يهم مجتمعنا بصفة عامة. فلا أحد بإمكانه الجزم مطلقا بأن شيئا ما صائب أو خاطئ بالمطلق، لكن ورغم ذلك يمكن الحكم صوابا أو خطأ بالاعتماد على مدى التأثير المباشر الجيد أو السيئ. فإذا أنتج الشيء تأثيراً جيداً نسبياً يمكن القول بأنه صواب. ولعل من أهم التساؤلات الضرورية التي يجب مناقشتها والتمعن فيها والاتفاق عليها بين أبناء المجتمع الواحد من يحدد مستوى الصواب؟ وما هي الأسس التي على أساسها يتم ذلك؟ وما أهلية المشاركين في تحديد ذلك؟
فمن المغالطات الرائجة في مجتمعنا الاعتقاد أن الشهادات العلمية وعدد مثقفينا إن صحت هذه التسمية تستطيع أن تكون مجتمعا متعلما تسوده الحكمة ويطغى فيه مستوى الصواب وسداد الرأي، إلا أنني أعتقد أن الواقع غير ذلك حيث لا يحرك المجتمع ساكنا تجاه بعض الممارسات الخاطئة من الشباب والتي تتسبب في كوارث جمة وتعرض أبناء المجتمع إلى الخطر كممارسة التفحيط في الشوارع الداخلية بدون مراعاة لمعايير السلامة. ومن الممارسات الخاطئة أيضا الاتكالية المطلقة حيث يطالب الموظف بالمنحة تلو الأخرى متناسيا أن للوطن حقوقا يجب على المواطن احترامها والالتزام بها والسعى ليكون نموذجا صالحا.
ثم لماذا لايحاسب المجتمع كل شاب يطلب وظيفة حكومية وعندما يحصل عليها فإنه قل ما يعير مراجعيه الاهتمام ولا يقدم لهم الخدمة المناسبة وكأن ذلك ليس من صميم واجباته؟
كل هذه الممارسات أصبحت شبه مقبولة حيث إن العديد من أفراد المجتمع بدأ يؤمن بأنها ممارسات صائبة ولم يعد يكترث بمحاولة تغييرها أو محاربتها. فهل يرجع أسباب ذلك إلى عدم وجود المعرفة الكافية لدى أبناء المجتمع فيما يتعلق بمخاطر هذه الآفات؟
إن ما يسمى بفقر المجتمع للمعرفة لا يعني إطلاقا الجهل ولا يرتبط بالأمية كما يظن البعض، فتأخر بعض المجتمعات وتخلفهم سببه فقر المعرفة فهو وحش يهتك بالمجتمعات. ولا ينتهي فقر المعرفة بمجرد القراءة في كتب المعرفة بل بقيمة ما يعرفه القارئ حقا ومدى تأثير ذلك عليه ليستطيع تحليل السلوكيات واستنتاج مدى الصواب. وبالرغم أننا تعلمنا في الصفوف الأولى في المدرسة بأن تفاحة + تفاحة = تفاحتين، إلا أننا نحتاج الى سنوات طويلة من الممارسة لنتعلم بأن مائة طابوقة + مائة طابوقة تساوي بيتا جاهزا للسكن. كذلك من الصعب أن نعد قطرات المطر على الثوب حيث لا يهمنا عددها بقدر ما يهمنا هو أن الثوب مبلل. وهذا هو الحال بالنسبة للمجتمع الجاهل، فوجود نسبة ضئيلة من الأفراد الجهلة تؤثر فيه وتضعفه وربما تهوي به نحو المخاطر لتكون النتيجة كارثية بالمجتمع ومن فيه. فمن غير المنطق الإعتبار بأن أي مشكلة نعانيها في مجتمعنا هي مجرد نتيجة حمقاء لسلوك فرد منا، فالسفينة لا تغرق لأن بحارا واحدا رغب في إغراقها بل لأن بقية البحارة مستعدون لقبول فكرته الخاطئة باعتبارها غاية الصواب. وأخيرا، إن متاعب الجهل التي تعانيها مجتمعاتنا المعاصرة لا تبدأ من الأفراد الجهلة أو المثقفين بل تبدأ بمستوى الصواب والخطأ المتفق عليه داخل المجتمع مما يعني أن مقياس الجهل لا علاقة له بعدد العارفين وغير العارفين بل بنصيب المعرفة نفسها من الحق والصواب. فعلينا الإرتفاع بمستوى معرفتنا لنرتقي بمستوى الصواب لننتهي إلى عالم جديد ملئ بالحب والوئام والحياة الكريمة المبنية على تكاتف المجتمع لما فيه صالح الجميع.