د. رجب بن علي العويسي –
rajab.2020@hotmail.com –
في كل ممارسات السلوك البشري يظهر الضمير ليشكل جوهر العمل وأبرز موجهاته، سواء في إطاره الإيجابي أو في إخفاقاته التي تبرز أثر ضعفه على نوعية الممارسة الناتجة، كون الضمير المنطلق لتحديد نوعية الممارسة وقيمة السلوك وطبيعة العمل المعزز برقابة الذات وسماحة النفس وإدراك المسؤولية، وبين الضمير والقانون محطات للتأمل ومنطلقات للتكامل وموجهات للمراجعة واستراتيجيات تتطلب حكمة الموقف ونفاذ البصيرة وصدق السريرة ونضوج الخبرة وسمو الفكرة، وفي ظل ممارسات تتقارب أحياناً، وتتباعد أحياناً أخرى عن استقامة السلوك تتكشف دلالات ومبررات بناء الضمير الإنساني الواعي المدرك لمسؤولياته في الحياة وأثر غيابه على الإنسان والتنمية والوطن، فما تبرزه بعض الممارسات اليومية، وتظهره تقارير السلوك من تجاوزات مستمرة في حق الإنسان في العيش والحياة والاستقرار، فحالات الغش والتزوير في البضائع والسلع الاستهلاكية والأطعمة وغيرها وجرائم المخدرات والسرقات والجرائم المالية والإلكترونية، وغيرها والتجاوزات الإدارية والمالية وأنواع التعامل والمعاملات التي يجانبها الضمير الحي في الوظيفة والعمل؛ والسلطة الإدارية وما تمارسه من إجراءات أو تتخذه من قرارات؛ وما تظهره مؤشرات التظلم في المحاكم الإدارية وقضايا الفساد والمحسوبيات وغيرها، تأتي لتشكل في مجملها صورة قاتمة لثقافة الضمير وموته، فالمنضوون تحت هذا السلوك أو الجرم لديهم معرفة كافية بالقانون وقدرة على التحايل عليه، إلا أنهم في الأساس يفتقرون لثقافة الضمير وحياته. إن نظرة متأملة لواقع الممارسة الإنسانية تظهر الحاجة لتغليب جانب الضمير، فقوة الضمير ونمو الوازع الأخلاقي والقيمي هي ما يحتاجه أي قانون أو تشريع للنفاذ والتطبيق فهو يمثل القلب في مكانته – إن صلح صلحت بقية الأعضاء وإن فسد فسدت بقيه الأعضاء، وهكذا الضمير، إذ باستقامته يطبق القانون وينفذ في إطاره الصحيح، وتتلقاه النفس عن قناعة وشعور بأهميته وأثره الإيجابي في تعزيز السلوك المتزن وخلق البيئة المناسبة لبلوغه، وعندما يفتقد أي عمل إنساني مهما كان نوعه لجانب الضمير وتغيب عنه قيمه الفقه به فإنه سيفتقد لإنسانيته ويصبح مجرد قواعد جامدة وممارسات تبنى على الحظوظ والصدف بدون تأمل فيبتعد عن الرصانة والنزاهة لأنه يفتقد جوهره وإطاره الذي يستأنس به ويوجه مساره، والمسؤولية في ظل الضمير الحي تضع جانب المصلحة الإنسانية العليا فوق كل اعتبار، وتنظر لعدم تفاعل البعض مع حصول الآخر على حقه على أنه سلوك فردي وممارسة لا يمكن في ضوئها سلوك طريق مجانب للصواب نحو الوطن والإنسان، وتفرض المسؤولية في بعدها الذاتي والآخر واقعاً جديداً تظهر فيه حكمة الضمير في التغلب على نوازع النفس ومعالجة مقتضيات الموقف بأسلوب يحمل في ذاته الشعور بالمسؤولية والإخلاص في الإنجاز وهنا تتأكد الحاجة للقانون أيضاً لضبط هفوات الضمير ونزوع النفس البشرية إلى الذاتية، وشمولية ثقافة الضمير والقانون واتساع موجهات عملهما تستدعي قراءة مدخلاتهما في إطار أكثر توازناً واحترافيةً يصنعه الفرد في ذاته ويعزز وجوده في ممارساته وينمي موارده ومصادره بالتزامه ومبادئه. وعليه كان من المهم تكامل الأمرين بما يضع الضمير في مقدمة الترتيب والأهمية والأولوية، فالضمير أساس تحقيق قانون يتفاعل في إنسانيته مع المخاطبين به فيقف معهم ويوقع العقوبة على من استمر منهم في إخفاقاته السلوكية ويأخذ بالجاد منهم إلى جادة الصواب فيكون لهم سند وعونا للإصلاح والتحول، والقانون في إطار ما يمثله من سلوك ضبطي والتزام وأطر محددة للعمل سوف يمنع من تجاوز الضمير لإنسانيته الصحيحة فيوجه مساره ويعمل على تحسين صورته والارتقاء بكرامته، إنها منهجية التكامل من أجل الإنسان والتوازن في إدارة مسارات حياته في عالم متغير وعوالمه المتعددة، من هنا كانت المسؤولية في أشدها لتحقيق هذا الانسجام والترابط بحيث تركز جهود الجميع على خلق هذا التحول من خلال صناعة القدوات وتعظيم وجود نماذج عمل مضيئة تحكي قصص نجاح هذا التكامل في سلوك أبناء الوطن وبناته في كل مواقع العمل والمسؤولية، وجدير بجميع المؤسسات أن تعمد إلى صياغة مرحلة جديدة يصبح للمخلصين والمؤتمنين والكفاءات المجيدة موقعها في سلم العمل الوطني والمؤسسي، وأن تبرز الشروط التي تضعها المؤسسات المعنية جانب الإخلاص والنزاهة والشفافية كمعايير أساسية في التنافس في العمل والوظيفة والترقية والمساءلة وغيرها، وما أحوج أجيال الوطن اليوم أن نربي فيهم صدق الضمير ونقاءه بما يدفعهم لتطبيق القانون عن رغبة واختيار ورضا بما يصدر عنه من أحكام فداء لإنسانية الإنسان ووطن الإنسان.