من المفاوضات إلى مجلس الأمن..

جمال إمام –

gamalemm@gmail.com –

افراهام هرزليش (لا يهم الاسم) مستوطن متطرف ينتمي إلى القوى اليمينية والدينية المناهضة لتحقيق أي تقارب مع الفلسطينيين هاجر إلى إسرائيل من حي بروكلين بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة قبل أكثر من 50 عامًا.. يتحدث في مقابلة مع رويترز بأن الأرض في إشارة إلى المستوطنات المنتشرة في قلب الضفة الغربية بأنها «ملك لبني إسرائيل، لأحفاد إبراهيم وإسحق ويعقوب وليست لأحفاد إسماعيل.»


وفقًا لقناعته بما جاء في نسخة من التوراة يلوح بها.. !! هل تريد أن تقنعني..أن افراهام وسواه من المستوطنين الذين يهيمنون على اليمين الإسرائيلي سيتخلون ببساطة عن المستوطنات التي تغذي بقاء هذا اليمين والقوى الدينية المتطرفة مع كل انتخابات جديدة على اعتبار أن مستقبل المستوطنات يعتبر واحدا من القضايا الاساسية التي تقوم عليها أية تسوية (إن حدثت) تخرج من رحم أي عملية سلام مستقبلية..ما قيمة هذا السرد في ضوء ما يجري من تحضيرات في مجلس الأمن الدولي لمناقشة مشروع القرار الذي تقدم به الفلسطينيون لاستصدار قرار دولي ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية قبل نهاية 2017؟ .الواقع أن الفلسطينيين استيقظوا متأخرًا على الحقيقة المرة بأنه لا أمل مطلقًا في هذه المفاوضات العبثية التي تجري منذ أكثر من عقد وتمهد لمفاوضات الحل النهائي التي تفضي بدورها إلى إعلان الدولة الفلسطينية، ولم تتحرك هذه المفاوضات قيد أنملة..الأخطر في هذه المفاوضات التي ما إن تبدأ حتى تتوقف حتى انتهى بها الأمر إلى التجميد أنها شهدت منحنيات، وتحولات في الشروط التي تفرضها إسرائيل خلال مراحل ومحطات مختلفة في هذه المفاوضات وصولا إلى الأهداف الحقيقية التي كشفت عنها بالفعل حتى انتهى بها المطاف إلى الافصاح عنها دون مواربة، وهي الاعتراف بيهودية الدولة، وأن إسرائيل دولة دينية لا تسمح لغير اليهود بأن يكونوا جزءًا منها.. لذلك فلا مكان للفلسطينيين من عرب 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في هذه الدولة اليهودية.. وهذا ما قاله ابراهام (لسان حال المستوطنين) صراحة..يجب على الفلسطينيين (أصحاب الأرض كابر عن كابر) (أن يرحلوا؛ لأنهم إن لم يرحلوا فسيموتون هنا… سيقتلون هنا… سوف تكون هناك حرب أخرى، لن يتمكنوا من الرحيل بعدها، لأنها ستكون حربا ضروسا وصعبة جدا)..!!

وبالتالي جاءت الخطوة الفلسطينية بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..

لأن الوقت بدأ ينفذ بعد أن تآكلت الأرض وأصبحت المساحة التي يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية أقل من 13 بالمائة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية بعد أن ضمت إسرائيل إليها كل الأراضي التي استولت عليها بعد حرب 67 وكل الأراضي التي قضمتها بعد إقامة الجدار العازل وكل الأراضي التي تصادرها وفق قانون الجيش الإسرائيلي لاعتبارات أمنية (وهي بالمناسبة قرارات لا تقبل الطعن عليها أمام المحكمة)..

والواقع أن الخطوة الفلسطينية مهمة جدًا على الرغم من الألغام التي تهدد بنسف القرار الفلسطيني بالذهاب إلى مجلس الأمن.. وبعيدًا عن الفيتو الأمريكي الذي ينتظر المشروع الفلسطيني والذي تحدثت عنه الولايات المتحدة صراحة من خلال التأكيد على أنها لا تستطيع أن تؤيد أي قرار يستبق نتيجة المفاوضات أو يحدد موعدًا نهائيًا لانسحاب الجيش الاسرائيلي.» المشكلة إذن تكمن في المواعيد النهائية التي حددتها المسودة للتوصل إلى اتفاق للسلام في غضون عام واحد وانسحاب إسرائيل الكلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة بحلول نهاية عام 2017. لأنه الأمر على هذا النحو يعني ببساطة أن السلطة الفلسطينية تكون قد خرجت من خارطة الطريق وأخلت بالتزاماتها للرباعية الدولية، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد الراعي الدولي لعملية السلام..

بعيدًا عن ذلك فإن جوهر المشكلة التي تقف عائقًا أمام الخطوة الفلسطينية هي إسرائيل نفسها حتى، ولو تم تمرير مشروع القرار الفلسطيني..

في هذا الصدد ينبغي علينا أن نتوقف أمام الإشارات المباشرة والواضحة في الموقف الإسرائيلي من الخطوة الفلسطينية..

فإسرائيل ترفض مشروع القرار العربي الفلسطيني الذي قدمه الأردن رسميا لمجلس الأمن الدولي وتعتبره خدعة!!..

لأنها تنظر إلى الشروط التي تضمنها مشروع القرار على أنه ينسف كل خططها في إطالة زمن المفاوضات إلى ما لا نهاية بكل ما يعنيه ذلك من تغيير طبيعة الأرض غبر مشروع التهويد والاستيطان، وما يترتب على ذلك أيضًا من تغيير الطبيعة الديمغرافية للسكان بالإخلال بالتركيبة السكانية بعد الضفة الغربية والقدس بمئات من المستوطنات والوحدات السكانية..

كما أنها ترفض تماما فكرة العودة إلى حدود عام 67 حيث ينص مشروع القرار على ضرورة أن يستند أي حل يتم التوصل إليه من خلال التفاوض إلى عدة عوامل منها حدود 1967 والاتفاقات الأمنية..

يلامس مشروع القرار العصب الذي يفقد إسرائيل صوابها وهو التأكيد على أن تكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين.. ولأن القدس بالنسبة لإسرائيل تعني تكريس الدولة الدينية وبدونها يتم نسف مشروع هذه الدولة اليهودية فإن وزير المالية الإسرائيلي المقال ورئيس حزب «يوجد مستقبل» يائير لبيد، أعلن إسرائيل « لن تقسم القدس، هذا لن يحدث» وإن كانت توافق على إمكانية الاتفاق بدون تقسيم القدس»..مشروع القرار بالنسبة لإسرائيل ينسف أيضًا الضلع الرئيسي البارز الثاني في مشروعها بجانب القدس، وهو المستوطنات التي تعمل إسرائيل بكل قوة على الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية وإمكانية تبادل أراض بالطبع تشمل هذه المستوطنات، ومن ثم فالمشروع الفلسطيني سيصطدم بهذه العقبة؛ لأنه في جانب آخر يدعو النص الجانبين إلى التوقف عن أي إجراءات أحادية وغير قانونية بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية وهذا هو بيت القصيد في هذه النقطة والتي قد تقوض جدوى حل الدولتين..لكل هذه الأسباب فإن وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان لخص الموقف الإسرائيلي بوضوح بالتأكيد على «إنه لن يحدث أي تغيير في الأوضاع مالم توافق اسرائيل على شكل هذا التغيير..

وأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه (تجميد المفاوضات) ما لم يوافق الجانب الاسرائيلي على ما فيه «يقصد المشروع المقدم لمجلس الأمن..

النقطة الأهم في الخطوة الفلسطينية والتي تعمل إسرائيل على ملاحقتها والعمل على تقليل تأثيرها دوليا إذا لم تنجح في وقفها هو أن السلطة الفلسطينية تحاول الاستفادة القصوى من وضعها القانوني الجديد بوصفها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهو ما تحاول إسرائيل حصار تداعياتها التي أدت إلى هذا الاعتراف الأوروبي القوى بالدولة الفلسطينية حتى وإن بدا أحيانًا على أنه خطوة رمزية..

لذلك تبدو المعركة الدبلوماسية السياسية والقانونية داخل أروقة مجلس الأمن تحمل في طياتها الكثير من التطورات أبرزها ما يبدو عليه المشهد الآن من تحضيرات لإعداد مشروع قرار بديل يتم التوافق عليه وهو المشروع الفرنسي الذي تجري بشأنه مشاورات..

وفي كل الأحوال فإن الفلسطينيين ومن ورائهم قوة دفع عربية نجحت في تغيير المعادلة لتكون إسرائيل رد فعل لقرار عربي فلسطيني، وهذا تحول مهم وكبير في حد ذاته..