هـدى حـمـد –
دهشتُ كثيراً وأنا أتابع سلسلة فيلم الخيال العلمي لعبة الجوع، « The Hunger Games»، والذي يعود إلى ثلاثية الكاتبة الأمريكية الروائية سوزان كولينز. دهشتُ لأن قصص الخيال العلمي عادة ما كانت تفاجئنا بتحليقها البعيد عن الواقع، لكن خيال اليوم بات ربما أقل عنفا من فانتازيا الواقع الصادم الذي نعيشه. هذا الفيلم يتحدث عن دولة «بانيم» المستقبلية المكونة من «الكابيتل» فاحشة الغنى، وتحيط بها 12 مقاطعةً فقيرةً. كحال هذا العالم الذي باتت تنقصه العدالة، وهو يُهمش طبقاته ويختزل مجتمعاته بين فاحشي الغنى ومدقعي الفقر، مما يُهيئ لثورات جامحة.
تقوم فكرة الفيلم حول المسابقة السنوية التي يقوم بها الكابيتل «الأغنياء» كعقاب للاثني عشر مقاطعة، خوفاً من أن تثور لتطالب بحقوقها. ورغم أن أحداث الفيلم تقع في المستقبل إلا أني تذكرتُ الماضي البعيد. تذكرتُ مدرجات مسارح الرومان العملاقة، التي كانت تستخدم ساحاتها لقتال الفرسان أو العبيد والأسرى مع الحيوانات المتوحشة. كل ذلك العنف المروع من أجل متعة وترفيه الامبراطور والشعب الذي يجلس ليتفرج. بينما كم هائل من الدماء تسيل. ولبسط الموضوع أكثر، فهذا ما يحدث لنا تماماً، فنحن الجمهور نفسه الذي يقبع خلف شاشات التلفزة بحماس أو فتور ليشجع هذا أو يقدح ذاك، بينما الدماء مستمرة في السيلان.. البطلة كاتنيس ذات الأعوام الـ16، بطلة الفيلم تتطوع لتدخل المسابقة بدلا من أختها الأصغر منها. حيث يدخل شاب وشابة من كل مقاطعة ليتنافسوا إلى أن يبقى شخص واحد فقط على قيد الحياة. بعد إجراء القرعة التي تسمى «الحصاد». يبدأ هذا الفيلم من الدورة الـ74، لنستشعر كم الضحايا الكثر الذين ذهبوا في قرعة خائبة، ولندرك حجم الخسائر الهائلة التي تتكبدها المقاطعات، لدرجة أن بعض المقاطعات سعت؛ لأن تُدرب شبابها منذ ولادتهم على المنافسة والقتال. تشجيع الجمهور ليس عاملاً هزيلاً في الموضوع بل عامل مؤثر، إذ يقوم الجمهور بإرسال الهدايا مثل: الغذاء والدواء، والأدوات اللازمة للمتسابق المفضل لديهم خلال الدورة. لذا على المتسابق أن يكون مُقنعا، وأن يتحلى بأسلوب جاذب، ليكسب المزيد من التعاطف، ككل الأصوات التي تخرج لنا الآن من كل العالم لتبرر لنا مواقفها، أو لتزيف الحقيقة. داخل لعبة الموت عليك أن تتحول إلى كائن قذز، ولعين وعليك أن توجد من تتحالف معه، كما عليك أن توجد الأعداء لتقتلهم، ليس لأنك تريد أن تصبح قاتلا، بل لكي تحافظ على حياتك وحياة من تحب في المقاطعة التي تنتمي لها. هكذا تماما كلعبة السياسة التي توجد لك من تتحالف معه كما توجد لك الأعداء.
ماذا أيضا عن رعب فكرة المقاطعات وتوليد الكراهية المستمرة فيما بينها عبر توريطهم بالقتال السنوي المُنهك والجوع المستمر الذي يُخمد فيهم الرغبة في الثورة، من دون أن تضع السُلطة بعين اعتبارها.
وبسبب قصة حب مزعومة بين كاتنيس البطلة وبيتا الشاب المشارك من مقاطعتها، أعلن صانعو ألعاب الجوع عن تغيير إحدى قواعد اللعبة، مشيرين إلى أن اثنين من المتسابقين يمكنهم الفوز إذا كانوا من نفس المقاطعة. لكنهم سرعان ما ألغوا القاعدة الأخيرة ليجبروهم على قتل بعضهم البعض، لزيادة حماس الجمهور، ولكن عادوا وتنازلوا عن ذلك خوفا من أن لا يبقى فائز لدورة 74.
تنجو البطلة كاتنيس لتتحول فجأة إلى هدف سياسي، إلى طُعمٍ جاهز يُرمى أمام أي مأزق قد يحصل في دولة «بانيم». لكن البطلة لم تشأ أن تبقى جزءا من اللعبة، أرادت أن تكون رمزا للتمرد على الظلم والطغيان والاستبداد، أرادت أن تخوض مع الشعب حرب الحياة، وأن تدمر لعبة الجوع.
وبالعودة قليلا إلى السيناريو العربي، نكتشف وجه الشبه الهائل بين النوايا العربية التي خرجت لتدمر لعبة الجوع، فذهبت إلى مصير لم تتمكن سينما العالم بعد من ترجمته بكل سحرها ومؤثراتها وخيالها السحري.