محطات من الحياة – نداءات الاستغاثة

سيف بن زاهر العبري -

wadiasahtan@hotmail.com -

بدشداشة النوم يؤدون الصلاة في المسجد، وبدشداشة النوم يتجولون في الأسواق والمراكز التجارية، وبدشداشة النوم يذهبون إلى الحدائق والشواطئ والمنتزهات حيث يشاؤون بالليل أو النهار، كل شيء عندهم سواء لا فرق بين دين ودنيا، ولا بين مسجد وسبلة، ولا بين بيت وسوق، المهم عندهم أنهم يمشون وينامون ويأكلون ويشربون، وفي كل وقت يتفاخرون بحرية اختيار دشداشة النوم أيا كان الزمان والمكان، فهل مثل هولاء سوف يكونون شباب الأمة حاضرها ومستقبلها. نداءات استغاثة نسمعها كل يوم، شباب لا يبالون في التجوال بلباس غير مُحتشم بين الأزقة والطرقات وبين المنازل والحارات، ونداءات استغاثة أخرى من تكدس للأيدي العاملة الوافدة في كل قرية تستجلب لأنشطة ظاهرة أو باطنة، وبين هذه الاستغاثات رباط وثيق، فبينما يتبختر شبابنا بلباس النوم كل حدب وصوب مترفعين عن ممارسة الأعمال داخل قراهم وولاياتهم نجد أن الأيدي العاملة الوافدة قد حسمت الأمر باستغلالها لكل فرصة عمل سانحة، شباب يتجمعون بين المزارع والأودية والسهول والجبال من أجل قضاء أوقات فراغهم دون اكتراث لحاجة آبائهم للمساعدة، مما استدعى الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة في كل صغيرة وكبيرة، ووصل الأمر بالبعض بالتفاخر أن يكون الوافد ذكرا كان أم أنثى هو من يمارس الأعمال والمهن في الحقل والمزرعة والبيت والسوق، ومع ذلك تصدر نداءات الاستغاثة من تكدس الأيدي العاملة الوافدة في كل مكان.


رعي أغنام وحلب أبقار


أين الشباب المعول عليهم خدمة الوطن، أين الشباب الذين سيكونون في كل عمل ومهنة، هل شبابنا اليوم بحاجة إلى صحوة من غفلة لا يعلمون عاقبتها، ولماذا الاعتقاد السائد بين الكثير منا من أن الأعمال البسيطة لا تليق بشباب اليوم، من أجل ذلك وصل بنا الحال إلى الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة في كل شيء، ولا تكاد أسرة عمانية لا تعتمد على عامل وافد أو عاملة وافدة، وشر البلية ما يضحك عندما سئل مواطن في إحدى القرى الجبلية عن مستوى التطور الذي وصلت إليه فقال بأن قريتهم تطورت بوصول خمسة وافدين حتى الآن، حتى في مهن بالكاد الواحد منا يصدق أنها أصبحت تمارس من قبل أيدي عاملة وافدة، من رعي أغنام أو حلب أبقار أو إعادة جمال إلى حظائرها، مثل ذلك لم يكن يخطر ببال أحد أن تكون الأيدي العاملة الوافدة تخطت المسموح به اجتماعيا واقتصاديا، وما خفي أعظم!.


المهن المعمنة في خبر كان


ليس ذلك فحسب بل أن البعض كان يمتعض من وصول نسب التعمين لبعض الأعمال والمهن إلى نسبة عالية بما يسمى بالمهن المعمنة، وقتها رفض هولاء فكرة أن تكون ولاياتهم وقراهم حقل تجارب وزارة القوى العاملة في تعمين المهن والأعمال الحرة، بل طالبوا وزير القوى العاملة في جلسة علنية بفتح باب استجلاب أيدي عاملة وافدة بمسميات اخترعوها، تكون عضدا لهم في ممارسة تلك الأنشطة، وحقيقة الأمر أن كثيراً من تلك الأنشطة تعمل في الظاهر باسم المواطن وفي الباطن يكون ريعها للوافد، والنتيجة أن معادلة نسب العاملين في مؤسسات القطاع الخاص لم تستطع المحافظة على قدر جيد من التحسن للأيدي العاملة الوطنية، فأصبحت الأيدي العاملة الوافدة هي الأعلى بكثير، وبالتالي تجاوزت النسبة المعقولة في تعداد السكان التي يخشى منها أن تصل إلى المناصفة ولربما تفوق عدد المواطنين. من هنا فإن تجربة التعمين التي قامت بها وزارة القوى العاملة في السنوات الماضية لم يكتب لها النجاح، وبعبارة أخرى إن التعمين الذي قامت به الدولة تمت محاربته بقوة من قبل المنتفعين من الأيدي العاملة الوافدة التي قيل عنها في كثير من المرات بالأيدي العاملة المستترة، ثم ظهرت لنا الأيدي العاملة السائبة، والآن دخلت معها الأيدي العاملة غير المشروعة والأيدي العاملة ذات النطاق الخطير في ارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها.


الحال من المحال تغييره


مقارنة يصعب فكر رموزها في وقت أصبح الحال من المحال تغييره، بين شباب غير مبالين بما حولهم، وبين وافدين لا يكترثون بقرارات منظمة لسوق العمل فإذا بهم يعملون في مهن يحظر عليهم العمل فيها على مرأى ومسمع الجميع، لتصدر استغاثات ونداءات بضرورة ردعهم بقوة، ومنهم من يتجرأ تجاوز الممنوع بعد أن علموا من أين تؤكل الكتف، فهل نحن بحاجة ماسة إلى صدور قرار صارم من الدولة يمنع ممارسة أعمال ومهن من قبل الوافدين مرة أخرى بينما شبابنا يتبخترون بلباس النوم في كل مكان، وهل خبرتنا في الاعتماد على الأيدي العاملة الوطنية بحاجة إلى مراجعة بينما دول عديدة تعتمد على مواطنيها في ممارسة كل عمل ومهنة. زرت دولا لم أر بها وافدا يعمل في البناء والمطاعم والمقاهي والمحلات وحمل القمامة والخياطة والحلاقة، لا وقت لدى مواطنيها للتجول في الأماكن العامة بدشداشة النوم ، ولا وقت للنوم إلا في الوقت المعلوم، فكسب العيش عندهم أهم من السبات العميق. يد تعمل بكد وجهد وعمل يحبها الله، هكذا كان العمانيون في البر والبحر، في الأودية والجبال، في القرى والمدن، لدى البادية والحضر، لا فرق بين عمل وآخر.