إدريس بن بابه باحامد القراري -
هو الشيخ عبد الله بن محمد بن غسّان بن محمد بن غسان الكندي الخراسيني النزوي، من العلماء البارزين، والفقهاء المتمكنين، من القرن الحادي عشر الهجري، من محلة خراسين في ولاية نزوى، يرجع له الفضل في بناء (بيت سليط) بعلاية نزوى، والذي يعد أحد الحصون الكبيرة فيها، تلقى العلم على يد نخبة من المشايخ منهم: الشيخ العلامة محمد بن عمر بن أحمد بن مدَّاد، لم يكن عالما بعيدا عن الواقع بل كان يسايره ويعلم ما يجري فيه، وهذا بحكم تكوينه، وبحكم توليه لأمور الولاية للإمام ناصر بن مرشد فقد تولى له على سمد الشأن، وكان مقيما بحصنها الموسوم بـ (حصن خزام).
يعد الكتاب الذي بين أيدينا من أهم الكتب التي خلفها، وهو في بيع الخيار فقد كان الداعي إلى تأليفه كثرة الخصومات في بيوع الخيار، وعدم وجود مسائل مشروحه واضحة تبين الأحكام المتعلقة بذلك.
لم يحدد من كتب عنه تاريخ وفاته إلا أنه كان حيا سنة: 1045هجرية/ 1635، وقد توفي بين مكة والمدينة بعد أن أكرمه الله تعالى بأداء مناسك الحج، وكان متجها إلى المدينة لزيارة الحبيب المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-. (ينظر ترجمته: السعدي، ج2/ 310. ناصر والشيباني، ص 291).
تفاصيل المخطوط بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي: يعد كتاب خزانة الأخيار من الكنوز المهمة التي تحويها مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، والذي يقع في خزانة حرف الخاء، ويحمل رقم: (551، 1709، 329)، وهي عبارة عن ثلاث نسخ لمخطوط واحد، يضم كل مخطوط ثلاثة أسفار كما سيأتي الحديث عنها، لم أجد في القطعة رقم 329 الناسخ الأصلي لأن بالمخطوط خرما واضحا في الصفحات الأخيرة منه بداية من الصفحة (406 إلى آخر صفحة منه) حيث اشتد الخرم، ولم تعد الكلمات ولا المعاني واضحة ولا مفهومة أما القطعة الثانية والتي تحمل رقم: (551) فقد نسخها الشيخ : مسعود بن عبد الله بيده، وذلك يوم الإثنين 13 ربيع الأول 1136 هجرية، على ما بدى من التاريخ ذلك أن في التاريخ تداخلا بين الأرقام، أما النسخة الثالثة أو القطعة الثالثة، فقد اسقط في الصفحات الأخيرة الأمر الذي جعل معلومات الناسخ والتاريخ غير واردة فيه أصلا، إلا أن الشيخ: محمد بن حسن الرمضاني تولى نسخ ما تلف من الصفحات ودوّن تاريخ نسخه لتلك الصفحات وكان ذلك بتاريخ: الثلاثاء18 جمادى الثانية 1415هجرية.
تحمل النسخة الأولى (444 صفحة) مقاس كل صفحة من الصفحات: 32 سم طولا و21 سم عرضا، وتحمل كل صفحة ما يقارب 24 سطرا وهو الغالب الأعم على المخطوط.
وتحمل النسخة الثانية والتي هي برقم (551) عدد من الصفحات هو: (394) دون إضافة القصيدة المذكورة في الأخير حيث لو أضفناها لصار عدد الصفحات: (399) صفحة. ولا يختلف مقاس الصفحات في هذه النسخة عن مقاسها في النسخة السابقة، إلا أن عدد الأسطر في الصفحة الواحدة هو 30 سطرا.
أما النسخة الثالثة والتي هي برقم: (1709) فإنها تحمل (397) صفحة نقاس الصفحة لا يختلف عن سابقتها، إلا أن كل صفحة من صفحاته تحمل (27 سطرا).
كتبت جميع النسخ بخط النسخ المشرقي الواضح المفهوم حيث لا يجد القارئ صعوبة في ذلك، وهذا هو الحال الأغلب إلا إن بعض الصفحات لم يكن الخط فيها واضحا، ولم يتبن لي السبب في ذلك مع العلم أن الناسخ في كل نسخة عادة ما يكون واحدا، إلا ما أسلفنا ذكره بما يتعلق بالرمضاني، استعمل النساخ لونين كعادة النساخ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المخطوط قديم ما جعل النسخ كلها تتأثر بعامل الزمن الذي ألقى على النسخ كل تصاريفه، ومن ذلك الرمة التي أتلفت عددا لا بأس به من الصفحات في بعض النسخ كما سلف وذكرنا، وسأعتمد على المادة العلمية من النسخ الثانية الموجودة في المكتبة والتي تحمل رقم: (551)، لكونها الكاملة من بين النسخ تقريبا، مع العلم أن المادة العلمية لا تختلف أبدا عما هو موجود في باقي النسخ.
بداية المخطوط: يبتدئ المخطوط بكلام يثبت ملكية المخطوط ووقفه، ثم مقدمة فيها ذكر الأبواب الواردة في الكتاب، بعدها شرع في مقدمة المخطوط وفيما يلي بعض من ذلك: “بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم، مما أنشأ العالم العلامة وحيد دهره ونسيج وحده قاضي المسلمين، الولي المولوي خميس بن سعيد بن علي -رضي الله عنه-، الحمد لله الذي أنطق بالحكمة ألسن العلماء العارفين، وجلا غشاوة الشكر على أبصار بصاير العقلاء الخائفين، وكشف حجب اليقين عن أعين قلوب الأولياء المهتدين، وألقى أحسن القول في مسامع الأصفياء المجتهدين، فرمقوا باعين اليقين في ديوان الحق فبالحق نطقوا، ونظروا بنور القلوب في لطيف صنع الله فألهمهم الله التصديق فصدقوا، وتفكَّروا بحقائق المعرفة بما عرفوا من الآيات فآمنوا بالله وحقَّقوا، أحمده على آلائه العامرة، وأشكره على نعمه المتواترة، وأستقضي منه المزيد من هباته الوافرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لي قربى لديه في الدنيا والآخرة” (الصفحة 4 من المخطوط).
نهاية المخطوط: ينتهي المخطوط في الأصل بأبيات من قصيدة الشيخ عبد الله بن مبارك الربخي -رحمه الله تعالى- في الرهن وأحكامه، إلا أن النثر المتعلق بالمخطوط خزانة الأخبار إنما ينتهي بقول الشيخ إثر سؤل موجَّه إليه: “الجواب: إن إقراره لغير صاحب الإثبات باطل لا تثبت في هذا المال الذي فيه الإثبات لأنه قد صحّ أن التحجير عليه عند الإثبات أن لا يزيله إلى غيره ما زال الإثبات فيه قائما لما يرضى من له الإثبات، وأما إقراره لمن أثبت له في أصله عن تراض بينهما فعندي أنه ثابت والله أعلم، وقد [؟؟] على هذا السؤال وصححه الشيخان العالمان ربيعة بن وضَّاح بن محمد، وأبو الحسن محمد بن سليمان -رحمهما الله- والله أعلم، تمّ ما وجدته مكتوبا، تمّ السفر الثالث من كتاب خزانة الأخيار في الرهن المقبوض والإثبات، يوم الإثنين وثلاثة عشر يوما خلت من شهر ربيع الأول الذي هو من شهور سنة 1136 من الهجرة النبوية على يد العبد الفقير لله عبده مسعود بن عبد الله بيده” (الصفحة 394 من المخطوط).
قبسات: لا شك أن موضوع كتاب واضح وهو ما يتعلق بالخيار والإثبات لذا سأختار بعض المسائل التي وجهت للشيخ وأجاب عنها، وستكون واضحة مفهومة من خلال سياق الكتاب، فمن ذلك: “مسألة: ومنه في رجل باع نصيبا له من مال بيع خيار وفيه بيع متقدم طلايع نخل ببيع الخيار هذا يثمر نخلاته وهذا يثمر نصيبه فما تكون هذه الثمار تحل لصاحب النصيب وهو عالم أن المال فيه بيع متقدّم؟ الجواب: الثمرة حلال لصاحب النصيب إلا أن فيه النقض والله أعلم.
مسألة: ومنه وفي رجل له نصيب في مال فباع منه خمس نخلات ببيع الخيار ولم يعلم شريكه بما باع ثم إنه باع نصيبه من ذلك المال جملة، وفيه الخمس النخلات، وقال المشتري الثاني أنا بعت عليك نصيبي من هذا المال وفيه بيع متقدم فيه وقال أنا راض وأفدي لنفسي، ما يكون حال هذا البيع الثمر يجب لمن لصاحب المال ويسلم الدراهم للغرماء أو لأحدٍ مم يخلص لصاحبه؟
الجواب: إن هذا البيع فيه النقض وهو معلول فإن رضي البايع للمشتري بفدا النخلات فالأصل له وإن غيَّر أحدهما فهو منتقض والله أعلم” (الصفحة 56 من المخطوط).
وهكذا يظهر جليا منهج الكتاب وطريقة التأليف فيه، وللعلم فقد تناول الكتاب عدة محاور منها: باب في بيع الخيار وما جاء فيه من التحريم والتحليل، وباب في مدة الخيار وانقضائها وإثباته أصلا وفي أحكام الخيار، وأبواب أخرى كباب في الزكاة وبيع الخيار، وباب قسم بيع الخيار وجوازه، وباب آخر في التغيير في بيع الخيار وجوازه، وغير هذا من الأبواب الموزعة في ثنايا الكتاب المهم.