عالم وكتاب: «مسائل منوعة».. يحويها مخطوط الشيخ عيسى الشامسي

إدريس بن بابه باحامد القراري -

هو الشيخ الفقيه القاضي عيسى بن سالم بن فريش الشامسي من فنجا، ابن الشيخ سالم وأخو أحمد بن سالم وهو عم عبدالله بن أحمد بن سالم بن فريش الشامسي، عاش في القرن الرابع عشر الهجري، والعشرين الميلادي، عرفت عائلتهم بعائلة القضاء، لباعهم الطويل في ذلك، ورسوخ قدمهم في علم الشريعة، الأمر الذي مكنهم من ذلك فقد تولَّوا القضاء في عدة بلدان وأنحاء من سلطنة عمان، والشيخ عيسى أحد هؤلاء القضاء البارعين المتميزين، الذين حققوا معالم الدين، سمتا وخلقا، تلقى العلم على يد والده الشيخ سالم، والشيخ منصور بن ناصر الفارسي فقد عرف الشيخ وحسب ما ذكر لي أحد أولاده بالزهد والتقوى والورع، على شدة في دينه وتمسك بحبل الله تعالى، يزينه تواضع العلماء، وحلم الوجهاء، وبلاغة الأدباء، تولى القضاء في عدة أماكن وولايات من السلطنة، كان آخرها في ولاية بوشر. اشتهر بلجوئه إلى الصلح في عدة مسائل الأمر الذي حبب من يتقاضون عنده، وكثيرا ما تصل القضية إليه ولا ينفض الجمع إلا والمسألة أو الخلاف قد توصل فيه إلى حل، اهتم بالعلم مذ كان صغيرا، لكونه نشأ في عائلة علم وأدب، كان يدون كثيرا من المسائل التي تصل إليه ويقربها ويقارنها مع الأقوال التي عليها مدار المسألة، فكوّن بذلك أسفارا مهمة من تجميعه، تعد دررا وجواهر منتقاة في بابها، الأمر الذي جعل الطالب إدريس بن بابه باحامد القراري يهتم بتحقيق ذلك التراث القيم، خوفا من ضياعه، وقد تم ولله الحمد تحقيق ما جمع الشيخ من مسائل عنونها الشيخ ب(صدقة السائل) وقد تم الحديث عن هذا الكتاب والمجموع القيم قبل سنة.


من المؤلفين المجيدين


واليوم نتطرق بمشيئة الله تعالى إلى الحديث عن مجموع آخر من مجموعات الشيخ عيسى بن سالم بن فريش الشامسي وهو مسائل فقهية دون أن يكون لها عنوان خاص، لما لهذا المجموع من قيمة علمية وأدبية، ولا غرو أن يكون الشيخ مهتما بمثل هذا النوع من التأليف، إذا علمنا ما كان يجري في مجلس القضاة في الزمن الغابر، حيث تتدفق الحكمة، وتدرس الأحكام، ويتناسق العلم والأدب، لكون مجلس القضاء حينذاك مدرسة للأدب والأخلاق يسودها أدب جمٌّ، وعلم وافر، يستفيد من ذلك كل من حضر إلى جلسة القضاء، مع اختلاف شكل وزمن عقد الجلسات بين الماضي والحاضر، فقد كان القضاة ومنهم ابن أخ الشيخ عيسى وهو الشيخ عبد الله بن أحمد بن سالم بن فريش الشامسي رحمهم الله تعالى يعقد جلسة القضاء في أي وقت جاءه الخصوم، وكم من جلسة شهدتها قريتهم فنجا، وكم من جلسة شهدتها حلة الصبارة في السيب والتي تشهد لهم بتاريخ مجيد، سطروا أسطره بماء العسجد ليكون غرة في جبين التاريخ. وللشيخ عدّة قصائد لكونه شاعرا ذا صيت تناول فيه عدة مواضيع، منها المطارحات الفقهية، فهو من المؤلفين المجيدين رغم قلة ما ألف.


نسبة الأجوبة للشيخ سالم ليس صحيحا


ولعل البعض ينسب الأجوبة لأبيه سالم بن فريش وليس الأمر مستبعدا ولكن لا أظن ذلك، لكون كثير من تراث الشيخ سالم بن فريش أكلته الرمَّة ولم يعد صالحا، وهذه المعلومة استقيتها من أحد أحفاد الشيخ حيث ذكر أن للشيخ سالم ولابنه عيسى بن سالم مجاميع عديدة لكن ضاع أغلبها وتلف أكثرها، بعامل الزمن وعامل الرمة حيث لم تكن في وقتها وسائل تحمي المخطوطات من الضياع، وقد شاءت قدرة الرحمن أن تكلأ بالعناية بعضا مما خلفه الشيخ ليكون نورا ودستورا للعلماء والمتفقهين والقضاة الشرعيين خاصة.


الكتاب المخطوط


الشيخ عيسى بن سالم بن فريش الشامسي، يقع المخطوط في خزانة حرف الميم، ويحمل رقم: (28)، من الكنوز الثمينة، والنفائس التي تحويها مكتبة السيد محمد مخطوط يحمل عنوان، مسائل منوعة، لمؤلفه أو جامعه الشيخ القاضي عيسى بن سالم بن فريش الشامسي، حيث صنِّف فر خزانة حرف الميم، ويحمل رقم (28)، والكتاب عبارة عن مسائل فقهية وقضائية جمعها الشيخ عيسى بن سالم من خلال مزاولته للقضاء، فقد كان قاضيا متمكِّنا في فنه كما عُرف عنه، يقع هذا المخطوط في كراسة كبيرة، يقع هذا السفر القيم في حوالي (280 صفحة) مقاس الصفحة الواحدة 20سم طولا و17 سم عرضا.

كتب المخطوط من أوله إلى آخره بالخط المشرقي المفهوم الواضح، وباللون الأسود على العموم إلا أن الشيخ كان يكتب السؤال، والجواب بلون مخالف، وقد استعمل اللون الأحمر، والبنيَّ، والبنفسجي أحيانا، لبيان رؤوس بعض المسائل، أو التعليق عليها، أو لبيان محل الخلاف والبيت القصيد من الفتوى أو المسألة القضائية، وأحيانا أخرى يستعمل اللون الأخضر للإجابة عن مسألة كما هو الحال في آخر مسألة أوردها في الكراسة الأولى من المخطوط.


اختلاط صفحات المخطوط

لم يؤثر في مضمونه


والجدير بالذكر أن المخطوط فيه خلط واضح وكبير في الصفحات الأخيرة من حيث الترتيب، فقد جاءت الصفحات الأخيرة غير مرتبة ربما جمعها السيد محمد بن أحمد وأمر بترميمها كما جمعت دون أن يراعي ترتيبب الأبواب والمسائل الأمر الذي يدعو إلى ترتيب المسائل وتبويبها وتصنيفها. إضافة إلى ما قيل من ملاحظات عن المخطوط لا ينبغي أن نغفل عن التنبيه إلى أن الشيخ عيسى بن سالم بن فريش – رحمه الله- جمع هذه المسائل من عدّة مراجع ومشايخ ذاكرا أسماءهم عند السرد، كالقطب والشيخ منصور بن ناصر الفارسي، والشيخ السالمي وغيرهم.


بداية المخطوط:

يبتدئ المخطوط بقصيدة رائعة في الحكمة والدعوة والإرشاد منها:

وأحذر أن يعالجني ممات

واحذر يوم حشر الناس طرا

تفطّرت السماء دما ومارت

فيا من مدّ في كسب الخطايا

ألا فاقلع وتب واجهد فإنّا

وكن للصالحين أبا وابنا

يحير لهول مصرعه اللبيبا

ويوما يجعل الولدان شيبا

وأصبحت الجبال به كثيبا

فمالك يا شقيّ أن لا تتوبا

رأينا كلّ مجتهد مصيبا

وكن في هذه الدنيا غريبا


قال: فلمّا فرغ من هذه الأبيات سكت عنّي ساعة وهو يعالج سكرات الموت ثمّ فتح عينيه وقال: ما الذي جابك في هذا المكان؟ قلت: جابني الشوق إليك، ثمّ قال لي: يا شيخ أحسن العزا أحسن الله إليك؛ فقد قرب الرحيل وقد جاءت سكرة الموت بالحقّ ذلك ما كنت منه تحيد، ونفخ في الصّور ذلك يوم الوعيد، وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد، لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، كلّ نفس ذائقة الموت ثمّ إلينا ترجعون، ثمّ غشي عليه ساعة ثمّ رفعت رأسه على حجري ومسحت التراب من وجهه ففتح عينيه فقلت له: هل لك من حاجة فنقضيها لك؟ قال لي: نعم، تطول عمري وتفسح أجلي، وتختم لي بخير عملي، وتدخلني الجنّة بغير حساب، فقلت له: ما يقدر على ذلك إلاّ الله تعالى، فقال لي: إذا لم تقدر على ذلك فما لي حاجة غير هذا المصحف والخاتم، إذا قضيت نحبي ولقيت ربّي غسّلني وكفّنّي ووارني في لحدي وامضِ إلى البصرة فإنّها وبلّغ هذا المصحف والخاتم إلى هارون الرشيد وسلّم لي عليه# (الصفحة 1- 4 من المخطوط).


ينتهي المخطوط بـــ:


فترجع الشاة وما نتجت للوارث والله أعلم. وسئل عمّن اشترى عابية وقيل له: إنّها وقف، وتحقّق وقفها فردّها إلى من باعها عليه، فأراد المشتري نزعها من يد البائع ويعطيها أحدا من قرابته هو أحقّ منه؛ فهل له ذلك؟ وإن بقيت مثلاً في يد البائع فأراد ورثته بيعها؛ هل لهم ذلك أيضا؟ وهل يجوز شراؤها وإبقاؤها وقفًا على ما كانت عليه أم لا؟ الجواب: الوقف لا يجوز بيعه ولا يجوز شراؤه ولو لمن أراد أن يجعله وقفًا؛ لأنّه سبق وقفه من قبل، ويجوز له أن يفديه ويكون على وقفه الأوّل لما وقف له من وجوه الأجر، وإذا كان الآكل له غير مستحقّ له جاز أخذه ووضعه فيمن هو أحقّ به والله أعلم#(الصفحة الأخيرة من المخطوط).


قبسات من المخطوط:


إن الكم الهائل الذي جمعه الشيخ عيسى بن سالم بن فريش الشامسي من السائل له أهمية بالغة في عدة مجالات وعلى رأسها القضاء الشرعي، وسأختار بعض المسائل التي تبين ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

…. وسئل عن الإمام إذا غلط في القرآن فبدّل كلمة توجد في القرآن في غير ذلك المحلّ الذي هو فيه، فرجع إلى الكلمة وهو يقرأ: ﴿يوم يصدر الناس أشتاتا….﴾ الآية فقال: ألفافا؛ فهل ترى عليه بأسا في صلاته وقد تبدل المعنى؟ الجواب: لا بأس عليه إذا غلط ولو تبدل المعنى سيّما إذا استدركه والله أعلم. وسئل عمّن أوصى بنخل يصام عنه بغلّته ولم تكف لصيام شهر؛ فهل تجمع الغلّة حتّى تكفي، أم يصام بها حيث بلغت من الأيّام؟ الجواب: إذا عيّن الموصَى أن يصام عنه شهر معيّن من السنة أو غير معيّن؛ كان الصوم واجبا أو نفلا ولم تكف الغلّة فإنّها تجمع حتّى تكفي لشهر، وإن لم يعيّن بل أوصى أن يصام عنه بالغلّة فإنّه يصام عنه بها ولو يوما واحدا، وإذا لم تكف ليوم فإنّها تجمع حتّى تكفي لصوم يوم على ما نفهمه من الأثر في الوصيّة بالصيام والله أعلم. فانظر في ذلك واعمل بما وافق الحقّ ( الصفحة/275/من المخطوط).

ومن بين المسائل أيضا: … وسئل عمّن تزوّج بامرأة وأعطاها صداقها العاجل ومات قبل أن يدخل بها؛ فهل لها صداقها الآجل أم لا؟ الجواب: لها صداقها الآجل وعليها عدّة الوفاة ولها الميراث، والله أعلم. وسئل عمّن لم يقعده مرضه ويظهر منه هذيان كهذيان المجنون ويقال: إنّه غير كامل عقله فطلّق زوجته طلاق الثلاث ثمّ مكث مدّة فزاد به المرض فمات؛ هل يثبت طلاقه ولزوجته الميراث أم لا؟ الجواب: إذا لم يكن مجنونا فطلاقه ثابت ولا ترثه إذا كان مرضه يمشي به حيث شاء والله أعلم. وسئل عمّن اشترى مالا وفيه فطرة ولم يشرطها البائع على المشتري؛ من تلزم منهما؟ الجواب: الفطرة في المال حيث كان لا تنتقل بالبيع والله أعلم.