الطفل نعمة من الله ولا بد لها من رعاية وعناية، والطفل كائن ضعيف محتاج إلى المأكل والمشرب والملبس، وهذه الصنوف الثلاثة تشبع جانب الطفل المادي، فلا بد للطفل أيضاً من إشباع جانبه الروحي والمعنوي، وذلك بالتربية الحسنة الصالحة بتعليمه أمور الخير وزرع قيم الصلاح و الرشاد في نفسه، والوالدان هما المسؤولان عن تربية الطفل من كل النواحي قبل غيرهما كما جاء ذلك في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
الطفل أشبه ما يكون بجهاز تسجيل أو بآلة تصوير يلتقط كل شيء تراه عينه أو تسمعه أذنه خيراً كان أو شراً فيحفظه ثم يلقيه في أي مكان أو زمان بدون إدراك متحدثاً أو حاكياً أو واصفاً ما سمع وما شاهد.
وعليه؛ ينبغي على الوالدين ثم الأسرة من بعدهما أن تحافظ على الطفل، وأن تبعده عن سماع أو رؤية ما يشين سماعه أو مشاهدته، وأن تختار له البيئة الطيبة ليطيب زرعاً فيطيب جنى، فإن الوسط الذي يعيش فيه الطفل مهم له بقدر أهمية الهواء الذي يتنفسه؛ فإن صلح الوسط الذي يعيش فيه الطفل تغذى الطفل غذاءً روحياً صحياً فتسمو نفسه ويعلو شأنه والعكس صحيح تماماً؛ ففساد الوسط البيئي مفسد لما يُزرع فيه فقل لي بربك كيف تريد طفلاً بهي الطلعة جميل المحيا حلو المنطق والكلام، وهو ناشئ في بيئة لا تعرف إلا السباب والشتائم والتعري بين أفرادها ومتابعة المسلسلات اللاأخلاقية؛ وإن أمر بعض الناس لعجب؛ فتراهم يقولون إن طفلي يتفوه بألفاظ جنسية (عيب) ويتعجبون من ذلك قائلين كيف له ذلك وهو صغير السن، فنقول لهم فتشوا في بيتكم أو عائلتكم أو جلسائكم فالطفل ما أتى بتلك الكلمة إلا لما التقطها من أحدهم!!.
أيها الأحبة إن الطفل لا يدرك ما يقال له الآن في أوساطنا من كلمات نسمعها كثيراً بقصد التربية والتأديب كــ(عيب وحرام) فالطفل لو مكثت تلقنه تلك الكلمات عشر سنين ما أدرك معناها ولا استفاد منها لسبب بسيط جداً، وهو أن عقله صغير فلا يستوعب ولا يدرك الكلام الذي تقوله له؛ فالطفل كما أسلفنا يحفظ فقط ولا يعي، إذن ما الذي ينبغي فعله مع الطفل أثناء تربيته؟ ينبغي كما أسلفنا أن نبعد الطفل عن أي مكان أو شيء مظنة أن يحفظ الطفل منه لفظاً نابياً أو فعلاً قبيحاً حتى ولو كان بيت أقرب الأقربين إليه، فإن حصل والتقط الطفل كلمة نابية ورددها فينبغي أن يؤدب الكبار قبل الصغار حتى تستقيم قناتهم فلا يقولون إلا حسناً ولا يفعلون إلا حسناً، كما ينبغي معالجة هذا الوضع بالنسبة للطفل باللين والحكمة والبعد عن العنف اللفظي أو العنف الجسدي بعداً كلياً والتحلي بالرفق وضبط النفس في كل الأحوال كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه؛ وما نزع من شيءٍ إلا شانه) كما ينبغي أن نزرع في الطفل مراقبة الله له على الدوام وأنه يراه ويسمعه في كل لحظة وحين؛ فإن قال أو فعل خيراً وحسناً أثابه الله به وجازاه بالجنة وإن قال أو فعل شراً جازاه الله وعاقبه بإدخاله النار، كما لا ننسى أساليب التعزيز التربوي فعند قيام الطفل بشيءٍ جيدٍ من قول أو فعل نثني عليه أمام إخوته وأمام العائلة وأمام ضيوف وزوار العائلة ؛ فالطفل يحب المدح والثناء كثيراً، وهذا علاج ناجح، وقد جربناه مع أبنائنا، ولا ننسى أيضاً الهدية المناسبة لسنه ومناسبة كذلك لفعله، أما في حالة القيام بأمر مشين من قول أو فعل فنعاقب الطفل على قدر الخطأ تماماً عقاب تربية لا عقاب بغضٍ وتشفٍ، وانتقام فنبتعد كما أسلفنا عن العقاب الجسدي فنعاقبه بحرمانه من شيء يحبه أو نبعده من التجمع الأسري ولنجلسه بنفسه فترة قصيرة، ولتكن ربع ساعة مثلاً، ولنبتعد عن التهديد للأطفال وتخويفهم من المعلم والطبيب كقول أحد الوالدين مثلاً سأتصل بالمعلمة وأخبرها وستعاقبك أو سأذهب بك إلى الطبيب فيضربك إبرة أو سأتصل بالشرطة وما شابه ذلك ففي هذه الحالات يكره الطفل المعلم والطبيب والشرطي ويعتقد أنهم مصدر شرٍ له، كما يتجنب أيضاً فضيحته والتشهير به أمام إخوته وإحراجه أمامهم.
ومما يحذر منه في التربية تقديم طفل على آخر في أي شيء بل يحرص أن يجعل أطفاله متساويين في كل شيء في الحنان والعطف والعطاء والملاعبة، وإن حصل وأحس أحد الوالدين بقرب أحد أبنائه إلى نفسه أكثر من البقية فلا يظهر ذلك له لا بمفرده ولا أمام إخوته ولا يحسسهم بذلك فإن الغيرة موجودة عند الأطفال وقد تودي بهم إلى الهلكة أحياناً.