ماتت لمياء ذات الثلاثة والعشرين ربيعا بحادث أليم و كانت والدتها تردد: “الموت حق والله حق، وتصرخ قائلة : “ما أبغي أبوها يشوفها” ، لكن الأب جاء بعد وفاتها يبحث عنها كالمجنون. لم يكن قد رآها منذ سنوات، وماتت وهي غاضبة منه مشفقة عليه لأنه هجرها هي وأمها !
ويبقى السؤال، كيف عساها أن تكون مشاعرنا إذا مات شخص عزيز علينا، ونحن نؤمن في قرارة أنفسنا أنه لم يك قط راضيا عنا؟ لعل أول ردة فعل منا تكون بتكذيب الخبر والدعاء بأن يمنحنا الله بضع سويعات نقدم فيها الاعتذار؛ لعلنا نهدي بعضنا ذكريات رائعة. ثم لعل ضميرنا يحاكمنا بالتساؤل عما إذا كان الهجر وقطع تواصلنا -في الأساس- خطأ مبررا ومقنعا؟ وإذا ما كان علينا أن نعتذر في وقت سابق؟ ثم لعله يسألنا عن حجم الألم الذي سببناه لذلك الإنسان وما عساه كان شعوره!؟
هل سبق وواجهت مثل هذا الموقف؟ وبماذا عساه نصحك ضميرك؟ حضور جنازة راحل لم تتسن لك فرصة وداعه؟ وإذا حضرتها، ماذا عساك تقول له وهو محجوب عنك بالكفن؟! هل ستحملك الشجاعة أن تعتذر له بينك وبين نفسك مخاطبا روحه؟ أم ستصرخ أمام الملأ مناديا: لقد أخطأت في حقه، اسألوه أن يسامحني! وقد لا تفعل الأخيرة؛ خشية نقمة من حولك!
ولو أردت أن تذهب لقبره؛ لتختلي به؛ طالبا للعفو، ومصارحا له بندمك، فللأسف لن تسمع رده، فهو كما تعرف لن يخبرك كم هو مجروح، وساعتها ستدرك أنه لن ينفعك أن تلطم خديك، ولا أن تحثو على وجهك التراب!؟ يا ترى، كم من الزمن سيؤنبك ضميرك وكم ستلوم نفسك لأنك لم تعتذر قبل ذلك؟! هل ستردد: كم كنت أحمق ! ليتني أحسنت التصرف! لقد خسرت!
أم ستكتفي بالبكاء، والشعور بالحرقة والألم. كم مرة ستشعر بالاشمئزاز من نفسك كلما تذكرته!؟ ألن يصيبك شعور بالغثيان والكراهية لنفسك؟! وقد تتذكر حينها أن الدنيا قصيرة وتتمنى لو قضيتما أياما أجمل باعتذارك له!
أم أن الحل المثالي في مثل هذه الحالات أن تستغفر له وتغمره بالدعاء، وأن تسعى للتصدق عنه، لعله يرضى عنك ؟!
وإذا كنت ما زلت تكابر، ولا تسمح لك كرامتك بالاعتذار، فأعتقد أن الكثيرين سيردون على ضميرك بقولهم: “أحسن الله عزاءك”. فكيف يعد من الأحياء من قد مات ضميره؟!
إنه لمن المؤسف حقا، في زمن التقدم البشري أن نعيش تأخرا في إدراك قيمة الحياة والتسامح. حينما نجد في الاعتذار عيبا وانتقاصا من الكرامة. مؤلم حقا أن نستثقل الاعتذار ونتحرج منه، فلنعتذر حتى نسامح، وإن كان لا بد فلا تخطئ كي لا تضطر إلى اعتذار يثقل عليك!
زهرة بنت سعيد القايدية