عبدالله المعمري -
متعبٌ من الأعماق، ومثقلةٌ هي أكتافي مما أحمله من التعب، كأن جبال تهامة ما أحمله، وفكري منشغل بما يحدث في زماني، فلم تعد الإنسانية ذات صفات إنسانية، ولم تعد الكلمة تخرج من جوف الصدق، بل من جيب الهوى والأنانية، ولم تعد نبضات القلوب صادقة، لأنها في حقيقتها ميتة، لا أبقت أخاً، ولا صديقا ، ولا قريباً، ولا حتى حبيباً.
لم تعد الأبواب تطرق ثلاثا للاستئذان، فهي مشرعة على مصراعيها للغواية، حتى رمال الشاطئ الذهبية، النقية، لوثت بخطوات أقدام الغدر، ودفنت بها جثث الهاربين من الخير، الغارقون في بحر الظلمات.
سأرحل، ولكن بصمت هذه المرة، سآوي إلى صومعتي القديمة، حيث أشعل شمعةً للأمل من جديد، وأقرأ سطورا من صفحات كتاب الأيام، لعلي بذلك أطهر سريرتي مما قد شابها من حزن وأثقلها من همّ، ولعل أحلام الماضي تعود من جديد، فتفجر طاقة الإبداع بي، فأغدو بها مبدعا، مبتكرا، ذا همة تشحذ بالإيمان.
وأعيد بعد كل هذا رسم الورد بلون البنفسج على جدران صومعتي، فأرى انعكاساتها على زجاج نافذتي نحو حياة الغد، فتجذب ببريقها قلوبا قد رحلت، أو استكانت في صمتها من الألم، فيكون لها حضورها بشعور يولد من رحم السكون، فتتناثر منه أعذب الكلمات التي تشاطر الروح بها السعادة.
وحينما يحضرون، أتوسطهم على مائدة مستديرة، أكون لهم فيها اليد المعطاء، لسخاء نبضهم، وأرشف منهم ماء الحياة، فأستعيد رجاحة أفكاري، وأقف من جديد على سارية الحب، أرفرف بالحقيقة، وأزف للإنسانية، أخبار الحب، في سائر العلاقات الإنسانية، ويعود إلى عالمي القمر، بضياء يبدد ظلمة العقول، ويحطم أصنام الزيف ، ويعلي راية الخير في قلوب لا تعيش إلا في النور.
ولكن، في النهاية، أكتب، ويقرأون ما أكتب بتأثر، ولكنهم غائبون عن الحضور، حينما يكون لتلك الكتابة قاعة انتظار لوجودهم. فتكون العودة إلى البداية من تلك النهاية.