إضاءة – لحظة وقوف..

Salem Hamdan New

سالم بن حمدان الحسيني -

حينما نرى الأرض التي نعيش عيها من ارتفاع شاهق ندرك ضآلة هذا الكوكب وما عليه من بحار ومحيطات وجبال شاهقة وهي تسبح في الفضاء الرحب وكأنها ذرات لا تكاد ترى بالعين المجردة، ليجدر بنا أن نقف لحظة مع أنفسنا.. متسائلين كيف بهذا الانسان الضعيف الذي يدب عليها وقد اكرمه الخالق سبحانه بالسيادة على جميع المخلوقات التي تشاركه الحياة فيها، فسخر له كل ما عليها من منافع ومن مقومات وأسباب لا تستقيم حياته الا بها ومن النعم التي لا تعد ولا تحصى.. يتقلب في آلائه ونعمائه الظاهرة والباطنة وما ركّب فيه من نعمة العقل والسمع والبصر والفؤاد وميزه عن غيره بلسان ناطق فصيح البيان.. وأرسل اليه النبيين والمرسلين ليبصروه الهدى وطريق الرشاد ويذكروه بنعم الله الخالق المنعم المنان حتى جاء الخطاب القرآني مذكرا هذا الانسان بتلك النعم وداعيا إياه الى طاعته وشكره وعدم الاشراك به: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ). أبعد كل هذا الانعام من خالق هذا الانسان يقابله هذا المخلوق الضعيف بالكفر والعصيان.. انه فعلا لظلوم كفار ظلم نفسه وبخسها حقا وكفر بتلك النعم جميعها حيث أطاع نفسه وهواه وانقاد لأمر الشيطان ليرديه في المهالك.. فكيف بك ايها الانسان قد عطلت ملكات عقلك وخالفت خالقك الذي سما بك الى المراتب العالية وجعلك سيد هذا الكون وخليفته في ارضه وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا تنزل بهذه النفس الامارة بالسوء الى مدارك الانحطاط فانغمست في الملذات وأستبحت كل المحرمات حتى اصبحت انت والبهيمة العجماء سواء.. متى سوف تفيق من هذه الغفلة؟، وقد حذرك الحق سبحانه من اتباع الهوى واتباع الشيطان، وبين عاقبة ذلك: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ). فهل من عذر فتعتذر وقد اصبحت الحجة قائمة عليك، فما حجتك في عدم طاعته سبحانه، وقد خلقك في احسن تقويم وأمدك بكل ما تتمناه وتشتهيه حيث أبواب الحلال سهلة ميسرة، ووعدك مع طاعته بالنعيم المقيم: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ، مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ، إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ). فهل نعي ان هذه الحياة قصيرة تذهب في غمضة عين وان الانسان مخير هنا في الحكم على نفسه ليسعدها في الدار الآخرة أم يرديها في المهالك والعياذ بالله.