الله تعالى عظّم بناءها وإنشاءها -
الأمة بحاجة إلى أن تربي جيلها الصاعد في بيوت الله -
صلاة الجماعة مشهد رائع يجتمع فيه المسلمون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وطباعهم ومراتبهم -
عبري: سعد الشندودي -
أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة ان الأمة بحاجة إلى أن تربي جيلها الصاعد في بيوت الله تعالى، وهي الأماكن الطاهرة وأن تحرص على تقوية الناشئة على حضور المساجد جاء ذلك في محاضرة عن (فضل وأهمية عمارة المساجد) ألقاها سماحته خلال افتتاحه لجامع وادي العين بولاية عبري.
وبيّن سماحته أن الله تعالى عظم بناء وإنشاء بيوت الله أجل تعظيم، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يختص بها دون غيره وهو منزه عن المكان والزمان، والعباد بطبيعة الحال تهفو نفوسهم إليه، ولهذا جعل الله سبحانه له بيوتا في الأرض تأنس إليها نفوس المؤمنين من أجل أن تجد فيها راحتها وطمأنينتها وتحس فيها بالاتصال بالله تعالى، وقد جعلها الله مشرقاً من نوره وعندما قال في محكم كتابة المبين (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولهذا تهفو النفوس وتتعطش إلى بيان من أين يشرق هذا النور، ومن أي أفق يصدر، ولذلك اتبع قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)، فهذه البيوت هي مشرق نور الله ولذا لم يأذن الله فيها إلا أن يذكر ويذكر فيها اسمه ويسبح فيها بالغدوِ والأصال، فالله تعالى يقول (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)، وقد شهد الله لعماريها بالإيمان وذلك عندما قال (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ).
رسالة مرتبطة بالمسجد
وتابع سماحته قائلاً: لقد جعل الله المساجد خاصة به وشرفها بأن جعلها موئلاً لعبادة المؤمنين يأتون إليها من أجل أن ينفسوا عن همومهم التي تتراكم عليهم في هذه الحياة بحيث يلبون فيها نداء الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن عناية الإسلام بالمساجد عناية سابقة قبل هذه الأمة، فالله تعالى جعل بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس، وجعل هذه الرسالة مرتبطة بهذا المكان الطيب ، كما أن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان من حول الكعبة بالبيت الحرام، ثم أن الله تعالى شرفه برحلة كانت أرضية سماوية، بدأت في الأرض من المسجد الحرام، وتنتهي بالمسجد الأقصى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) والرحلة بدأت من مسجد وانتهت إلى مسجد، لماذا؟ لأن الرسالة التي بعث بها النبي محمد عليه الصلاة والتسليم إنما هي مرتبطة بالمسجد، ولذلك عندما هاجر الرسول وقبل أن يقر قراره بالمدينة المنورة أسس أول مسجد وهو مسجد قباء، ولما وصل إلى المدنية المنورة ما كانت تتركه ناقته أمام بيت أبي أيوب الأنصاري حتى قال عليه افضل الصلاة والسلام: (هنا المسجد إن شاء الله) فشرع في إنشاء ذلك المسجد وكان صحابته يقومون بدور البناء للمسجد والنبي يشاركهم في ذلك، فكان المسجد هو معقل ارتباط الأمة، وكان بمثابة ملتقى الأمة الذي يجتمع فيه، وكان ذلك المسجد بمثابة الصلة بالله سبحانه وتعالى من خلال الصلوات، بل كان المسجد هو المدرسة والجامعة وهذه الأمة التي شرفها الله بحمل أمانته إنما تكونت في ذاك المسجد الشريف فالنبي كون هنالك الصحابة رضوان الله عليهم الذين حملوا رسالة الإسلام وكان المسجد بمثابة ثكنة عسكرية، لأن الألوية كانت تعقد للمجاهدين في فناء ذاك المسجد الطاهر، ومع ذلك كان المسجد يدير حياة الأمة السياسية والثقافية، والاجتماعية والأدبية، فهناك تكونت الأمة الصالحة، وقد ورد عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على عمارة المساجد عمارة حسية ومعنوية والنبي يقول: (من بنى مسجدا بنى الله له بيتاً في الجنة) وكذلك الحظ على العمارة المعنوية بإقامة الصلاة وذكر الله بين جنباتها وبنشر العلم في ربوعها، وكذلك فإن انتظار الصلاة بعد الصلاة في هذه المساجد من أجل ذكر الله وتلاوة كتابه وتدارس العلم ومن أجل أي عمل يقرب إلى الله فكل هذا مما يدخل في ما يمحو به الله الخطايا ويرفع به الدرجات، فقد دلت الأدلة الشرعية من كتاب الله تعالى ومن هدي الرسول الكريم على وجوب الصلوات في جماعة.
أهمية الصلاة جماعة
وأشار قائلاً أن الله سبحانه وتعالى يوجهنا إلى العبادة إليه بالصياغة الجماعية لا بالصياغة الفردية، حيث علمنا أن نقول في الصلوات إياك نعبد وإياك نستعين، ولم يعلمنا نقول إياك أعبد وأياك استعين، لأن الدين الإسلامي دين اجتماع، فهذا يجمع الشتات ويوحد الصف ويؤلف بين القلوب المتنافرة وخير ما يجمع الناس ويجمع شتاتهم استجابتهم إلى الله تعالى بقلوب صافية ونفوس مطمئنة، وتجد الآيات القرآنية تشير إلى وجوب إقامة الصلوات في جماعات، وان صلاة الجماعة واجبة على الاعيان والله سبحانه وتعالى يقول (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) ويعني ذلك بطبيعة الحال أن يجتمع الإنسان مع إخوانه المؤمنين فيركع معهم ويسجد معهم لله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن يقيم الصلوات في جماعات، وكذلك نجد أن الله تعالى يعلّم نبيه والمؤمنين كيف يقيمون الصلوات في جماعات في أحرج المواقف وأكثرها حساسية في حالة مواجهة المؤمنين للعدو، بحيث ينقسم المؤمنون إلى طائفتين طائفة تواجه العدو وطائفة تصلي مع الإمام، فإذا أدت هذه حصتها من الصلاة، بادرت تلك الطائفة لتحل محل هذه بحيث تقوم بأداء هذه الفريضة في جماعة، وما الداعي لذلك فطائفة تقيم الصلاة مع الإمام وطائفة تحارب العدو إلا أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان، والله تعالى يقول (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، ولو كانت الصلاة واجبة على الكفاية وذلك للمؤمنين الذين يقيمونها في السعة وفي الأمن والاطمئنان.
تنشئة الأجيال في بيت الله
واختتم سماحة الشيخ الخليلي محاضرته قائلاً: إن الرسول يقول في مسند الإمام الربيع: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم أمر بالصلاة وينادى لها ثم آمر أحد يصلي بالناس ثم أخالف إلي رجال لا يستهدون بالصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ذلك أمر النبي بتحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة بالنار، إلا لأنهم ارتكبوا أمراً جللاً بعدم حضورهم إلى المساجد.
وقد جاء في الحديث «من سمع النداء إلى الصلاة فلم يجب فلا صلاة له إلا بعذر»، وبيّن ابن مسعود رضي الله عنه ذلك عندما قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بها يعني في المساجد فإن الله شرع لنبيه سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم وقد رأيت هنا لا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) وكذلك نجد أن النبي استأذنه رجل جاء إليه وقال يا رسول ان المدينة كثيرة الهوام والسباع، أتجد لي رجعة ان اصلي في بيتي فقال الرسول نعم، فلما همّ وانصرف قال له الرسول هل تسمع النداء قال نعم فقال إني لا أجد لك عذراً.
فكل هذا يدل على أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان، فما أحوج الناس إلى أن يلتقوا في بيوت الله تعالى وأن يصفوا نفوسهم من أكادر الدنيا ويوحدوا صفوفهم حتى يكونوا كقلب رجل واحد، ما أروع هذا المشهد يجتمع فيه المسلمون على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وطباعهم فالقوي مع الضعيف، والغني مع الفقير، والحاكم مع المحكوم والرفيع مع الوضيع ينتظمون في ركوعهم وسجودهم.
ومن أجل ذلك شرعت الصلوات في الجماعات، وكذلك شرع بناء المساجد من أجل تحقيق هذه الغاية ومن أجل النهوض بهذه الأمة.
وقد كان المسجد منبر دعوة ومركز إشعاع ومحراب عبادة، ولهذا يجب أن تعاد إليه رسالته، وهذه الأمة بحاجة إلى أن تربي جيلها الصاعد في بيوت الله تعالى في هذه الأماكن الطاهرة وتحرص على تقوية الناشئة على حضور المساجد.