الأسواق المالية والتداعيات السياسية والمالية

لؤي بطاينة -

لقد مرت الأسواق المالية العالمية والإقليمية بالعديد من الأزمات والتداعيات السياسية والمالية خلال الأسبوعين الماضيين بالعديد من الأزمات نتيجة عدد لا بأس به من التغييرات والتقلبات والأزمات التي مرط بها منطقة الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأسود على إثر تداعيات الأزمة الأوكرانية والتهديد الروسي باجتياح شبه جزيرة القرم والأجواء التي مرت بها عدد من الدول نتيجة تداعي الأزمة الخليجية وسحب سفراء بعض من الدول من قطر. ونحن نُتابع تلك الأزمات والتهديدات التي أثرت وستُؤثر بكل تأكيد لاحقا على الأداء المالي والنفسي للأسواق المالية العالمية والإقليمية خلال الأسابيع القادمة وخصوصا تحركات وقرارات واستثمارات الصناديق الاستثمارية وكبار المُستثمرين بتلك الأسواق وبالتالي التأثير على مسار أسعار الأسهم بشكل عام وأسعار أسهم بعض الشركات التي يوجد لديها تعاملات واستثمارات عابرة للحدود وعلى وجه الخصوص استثمارات تواجدها الجغرافي و/أو مبيعاتها وإيراداتها ناتجة من تلك المناطق والتي من المُمكن أن تُعتبر مناطق توتر ونزاعات (على أقل تقدير خلال الأسبايع القادمة).


تابعنا خلال الأسبوعين الماضيين تسارُعات وتداعيات الأزمة الأوكرانية ، وانعِكاساتها على أسواق المال والأسهم العالمية، وبدأت روسيا تدفع ثمن تدخلها العسكري في هذا البلد لا سيما على قيمة عملتها وتكاليف التأمين على ديونها، فيما أعلنت السلطات في كييف نيتها خفض الإنفاق بنسبة 16 في المائة للتقليل من تلك الأزمة وتمويل أية برامج وخطط عسكرية جديدة قد تلوح بالأفق.

وتراجع المؤشران الرئيسيان في بورصة موسكو (ميسيكس) و(آر تي اس) بأكثر من 10% في أول يوم للأزمة بينما سجل تراجع سعر صرف الروبل أرقاما قياسية أمام اليورو والدولار، مما دفع بالمصرف المركزي الروسي إلى زيادة مُفاجئة لمعدل الفائده الرئيسية في محاولة لتهدئة التوتر وضمان الاستقرار المالي.

هذا وتراجعت السندات المقومة بالدولار الأمريكي للحكومة الروسية وارتفعت كُلفة التأمين على ديونها من مخاطر عدم السداد لأعلى مستوى في 9 أشهر بعد بدء الأزمة والاستيلاء على جزء من أوكرانيا (كما أفادت العديد من وكالات الأنباء العالمية) لتتصاعد التوترات مع الغرب إلى درجة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة.

واعتبر المحللون في ألفا بنك انه (خلافا لحرب الأيام الخمسة في أوسيتيا الجنوبية، نحن قلقون من احتمال أن تدوم التوترات في أوكرانيا لفترة أطول وتكون لها تداعيات سلبية طويلة الأمد على البيئة الاقتصادية في روسيا)، في إشارة إلى الحرب القصيرة التي شنتها روسيا على جورجيا في عام 2008.

وفقدت مجموعة غازبروم الروسية التي تجني قسما كبيرا من أرباحها من صادراتها إلى أوروبا، ما نسبة 11.5% من قيمة سعر سهمها في البورصة. بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي عانت منها الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي وخصوصا الأوروبية منها.

من جهة أخرى، قفزت أسعار النفط الخام أكثر من دولارين للبرميل مسجلة أعلى مستوياتها في عدة أشهر أمس في ظل تصاعد التوتر في أوكرانيا.

بكل تأكيد إنه لا مجال للشك بأن قدرة ومرونة الأسواق المالية بامتصاص الأزمات السياسية تختلف من سوق لآخر ومن منطقة لأُخرى نتيجة العديد من العوامل النفسية والجغرافية والمالية والتاريخية التي مرت بها تلك الأسواق علاوة على كفاءة تلك الأسواق وشفافيتها في الإفصاحات المالية والتشغيلية عن مدى تأثر بعض من تلك الشركات والمُدرجة أسهمها لديها.

تاريخيا وعلميا أُثبت بأن أكبر المخاطر التي تواجه المستثمرين على الدوام هي المخاطر السياسية. فالمخاطر السياسية موجودة في شكل النزاعات الداخلية (بما في ذلك العنف)، القلق بشأن مسار ونتائج الانتخابات السياسية (البرلمانية والرئاسية لدى بعض من الدول)، وعدم وجود سياسات وبرامج وخطط اقتصادية ومالية سليمة ومُطبقة تتعاطى مع تلك الأزمات، علاوة على عدم قيام العديد من إدارات الأسواق المالية الإقليمية بقياس مدى قدرة الأسواق على التعاطي مع مُختلف أنواع الأزمات من خلال إجراء ما يُسمى بفحص الجهد ووضع سيناريوهات مُختلفة لمسار الأحداث، بالإضافة إلى سوء إدارة الدولة لدى بعض المناطق والأسواق والتي تؤثر على أداء الأسواق المالية، وحالات الاحتيال والفساد وكيفية التعاطي معها ومن خلالها بطريقة تَحد من تَساؤلات ومخاوف المُستثمرين (على اختلاف أنواعهم وجنسياتهم وأحجامهم)، وبنفس الوقت طريقة وأسلوب التعاطي مع تلك الأزمات والمخاطر من خلال وسائل الإعلام المحلية والإقليمية مُقارنة بالتعاطي معا من خلال وسائل الإعلام العالمية وخصوصا القضايا السياسية.


لا يوجد أي صندوق استثماري إلا ويقوم باستمرار بدراسة جميع أنواع المخاطر السياسية والمالية والاقتصادية في أي دولة وإقليم ينوي الدخول إلية والاستثمار به وأية تداعيات سياسية وعسكرية نتجت وقد تنتج في تلك الدول نتيجة عدد من المخاوف التي تمر بها تلك الأسواق والدول الحاضنة لها.

إن قيام المُستثمرين (على اختلاف أنواعهم) بدراسة وتقييم وتحليل المخاطر الجغرافية والسياسية أو كما يُعرف الآن بالمخاطر الجيوسياسية في الأسواق الناشئة وبشكل أكثر تفصيلا وتحليلا وتقييما ووزنا وخصما من الأسواق المُتقدمة، على الرغم من التقدم والازدهار الذي تحقق في الأسواق الناشئة بشكل عام والأسواق العربية بشكل خاص وخصوصا من خلال عمليات الإصلاح الإداري والمالي والاجتماعي التي قامت بها الدول خلال العقود الأربعة الماضية، علاوة على عمليات ومحاولات زيادة الإنتاجية والتدريب والتطوير للقوى العاملة المواطنة، والسهولة والمرونة في الحصول على مصادر التمويل من الأسواق المالية المحلية والإقليمية والدولية في آخر ثلاثة عقود.

وأشارت آخر إحصائية للمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أهمية تخفيف المخاطر السياسية وتحسين سيولة السوق بالنسبة لهم.

وما زالت الأسواق المالية العربية (على وجه الخصوص) والدولية تتأثر بشكل سريع ومُتسارع وقوي بالعوامل السياسية مع ازدياد تأثير المخاطر الجيو سياسية والعسكرية في المنطقة.

إن الأسواق المالية وخصوصا في منطقتنا العربية تتأثر سريعا بأية أحداث سياسية وتُكاد تكون هشة وسريعة الكسر نتيجة حدوث أية هزات سياسية و/أو مالية، مما يؤدي مرارا إلى هروب المُستثمرين سواء كانوا عربا و/أو أجانب في كثير من الأحيان لأسواق مالية قد تُعتبر (بالنسبة إليهم) أكثر أمانا واستقرارا.

وقد يكون أكثر الاستثمارات هروبا ونزوحا على الدوام الاستثمارات الأجنبية لإنها تُعتبر ضعيفة أمام أية تطورات وتقلبات سياسية واجتماعية قد تُهدد كيان أي دولة ونظام سياسي، على الرغم من وجوب الأخذ بتلك المخاطر قبل الدخول لأي دولة وسوق مالي.

إن المخاوف ما زالت قائمة (للأسف) من التطورات الجيوسياسية المُرتبِطة بالملف السوري والمصري والأزمة الخليجية (الآن)، والتي أسهمت إلى حد كبير في تهاوي الأسواق الخليجية ونظيراتها الإقليمية وتحقيقها خسائر في الأسبوع الماضي. لا بل قام المستثمرون في الأسواق الخليجية وتجاهلوا أية مؤشرات ونسب ومُعدلات ونتائج مالية إيجابية لتلك الأسواق والدول والشركات وخصوصا نتائج العام الماضي والتوزيعات النقدية المُقترحة والتي سيتم توزيعها خلال الأسبوعين القادمين وبمعدل عائد يزيد عن 4.5%.

نعم إن التصاعد المُتتالي والمُستمر للمخاطر السياسية التي تمر بها المنطقة خلال هذه الأيام قد تُعتبر العامل الأساسي والرئيسي الوحيد في التأثير السلبي على قرارات المُستثمرين وأداء البورصات الخليجية ونظيراتها الإقليمية.

نعم قد يقول البعض من المُحللين بأن قرار البيع هو خوف من أية انعكاسات سلبية متوقعة على أسواق رأس المال مما قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول عالميا لمستويات لا تُطاق مما سيؤدي إلى توقف العديد من الشركات والقطاعات والصناعات عن العمل أو قد يؤدي الصراع إلى قطع طُرق النقل البحري في عالم نقل مصادر الطاقة وخصوصا الغاز والبترول الخام.

كما نعلم لا يوجد للمُستثمرين إلا خياران في مواجهة أية مخاطر سياسية، إما البقاء خارج السوق المالي وفقدان أية فرص استثمارية (قد لا تتكرر في ظل وجود شهية متصاعدة لدى العديد من المُستثمرين لأخذ هذا النوع من المخاطر)، أو التعامل مع المخاطر وتحملها ومواجهتها بأخذ مراكز مالية واستثمارية والتكيف مع المخاطر السياسية هو الخيار الأفضل لأنه يُساعد كافة أنواع المستثمرين (على اختلاف أنواعهم وأحجامهم وجنسياتهم) في اتخاذ قرارات استثمارية سليمة في الأسواق المتقلبة مما يؤدي إلى عوائد أفضل عندما تستقر التقلبات.