ازدياد ظاهرة عداء الإسلام في ألمانيا

سمير عواد -

يجيد ميشائيل شتورتسينبيرغر استفزاز الآخرين، وخاصة الإسلاميين، ولذلك فإنه يختار الأماكن العامة، ليرفع القرآن الكريم بيده عاليا، ويصرخ في الميكروفون قائلا إن هذا الكتاب، أخطر كتاب في العالم.

ولا يحتاج شتورتسينبيرغر الذي يبلغ 49 عاماً من العمر إلى الشعور بالخوف، فعندما يدعو إلى مثل هذه الخطب في مدن ألمانيا، فإنه يكون قد حصل مسبقا تحت حجة التعبير عن الرأي على موافقة سلطات الأمن في المدينة التي يقيم فيه حملته المناهضة للإسلام، ويتهجم على الإسلام تحت حماية الشرطة المحلية.

وما يفعله هذا المشعوذ المتطرف ليس نادراً في ألمانيا التي يعيش فيها أكثر من أربعة ملايين مسلم غالبيتهم من الأتراك. ففي تقرير نشرته مجلة “دير شبيجل” مؤخراً ذكرت أن مناهضو الإسلام في ألمانيا زادوا في الآونة الأخيرة.

ولنأخذ شتورتسينبيرغر كمثال، فقد شغل لعدة سنوات منصب المتحدث باسم الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم في ولاية بافاريا (عاصمتها مدينة ميونيخ)، وفي عام 2012 انشق عن الحزب ليؤسس قبل ثلاثة أشهر حزب “الحرية” ونصب نفسه رئيساً له. ومنذ ذلك الوقت، يلقي الخطب المسيئة للإسلام ويصف القرآن الكريم بأنه مثل كتاب “كفاحي” لأدولف هتلر، ولا يخفي قربه من اللوبي اليهودي في ألمانيا، فموقع “بوليتاكلي إنكوركت” على سبيل المثال، الذي يشرف عليه يهود ومسيحيون متشددون، ينشر أخبار شتورتسينبيرغر باستمرار.

ويعمل هذا منذ عامين تقريبا على جمع تواقيع ضد إنشاء مركز إسلامي في مدينة ميونيخ، وقد أقام حتى اليوم أكثر من مائة مهرجان خطابيا عاما لينشر حقده ضد الإسلام. ويساعده في نشاطاته جمع من المؤيدين الذين يتجمعون حوله عندما يبدأ الكلام في إحدى الساحات، رافعين يافطات تحمل صورا كاريكاتيرية مسيئة لسيدنا محمد -عليه السلام- وعبارات تحذر من بناء المساجد، وفي الغالب، عبارات تصف الإسلام بالدكتاتورية وأنه برأي هؤلاء المتطرفين، يهدد المجتمع الألماني. كما يقول في خطبه أحكام مسبقة مثلا أن المسلمين يضربون نساءهم وأن الشريعة هي قانونهم وأنها مناهضة للديمقراطية. ولا ينسى شتورتسينبيرغر أن يذكر أرقام وإحصائيات مزعومة وكل كلمة من شأنها أن تثير خوف الألمان الذين يستمعون إليه من الإسلام. ولذلك لا غرابة في أن بعضهم يسارع للتوقيع على العريضة التي تدعو إلى حظر بناء مركز إسلامي في مدينة ميونيخ.

غير أن غالبية سكان مدينة ميونيخ غير راضين بأن تكون مدينتهم المفتوحة على العالم والتي يزورها في الصيف سياح خليجيون بالذات، مركزا لنشاطات هذا المشعوذ، وتُذكر خطاباته الحاقدة سكان المدينة بخطابات النازيين.

والواضح إن وراء هذا الحقد استراتيجية، ففي القريب ستجري في مدينة ميونيخ انتخابات مجلس البلدية، وبينما يعتزم العمدة الأعلى الحالي للمدينة كريستيان أوده، الفوز بولاية جديدة في منصبه، يريد الشعبويون مثل شتورتسينبيرغر استغلال حملاتهم ضد الإسلام، الحصول على تأييد شعبي لنشاطاتهم وأهدافهم السياسية وأكثر ما يخشاه سكان مدينة ميونيخ، أنه إذا جمع شتورتسينبيرغر عدداً كافياً من التواقيع المناهضة لبناء مركز إسلامي في المدينة، فإن هذا لن يكون فقط وصمة عار لمدينتهم المنفتحة على العالم، وإنما سيكون علامة للمسلمين بأنه غير مرغوب بهم في هذه المدينة.

وغالبا ما تكون مشاريع بناء مسجد أو مركز إسلامي في مدينة ألمانية، فرصة للشعوبيين الألمان وخاصة أعداء الإسلام ليثيروا المخاوف في نفوس المواطنين. وهذا ما حصل خلال الأعوام الثلاثة الماضية في مدن برلين وهاناو وهانوفر. وترافق الاحتجاجات التي ينظمها أعداء الإسلام عبر الإنترنت. وينقر على مواقع “بوليتاكلي إنكوركت” أكثر من 120 ألف شخص يوميا، للاطلاع على أخبار مناهضة للإسلام.

وفي ضوء الانتخابات القادمة للبرلمان الأوروبي، تسعى الأحزاب المناهضة للإسلام التي تأسست في المدة الأخيرة، منها “من أجل ألمانيا” و”الحرية” وباكس أوروبا”إلى التحالف مع حزب “بديل لألمانيا” المتطرف الذي قد يفوز بانتخابات البرلمان الأوروبي، ويدعو قادة الأحزاب الشعبوية الصغيرة الجديدة، مؤيديهم إلى منح أصواتهم لحزب “بديل لألمانيا” الذي يريد قادته تشكيل كتلة أوروبية للشعبويين في البرلمان الأوروبي من أبرز رموزها ماري لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا.

ووفقا لدراسة وضعتها مؤخراً مؤسسة الأبحاث “فريدريش إيبرت” المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إن 56 بالمائة من الألمان يعتبرون الإسلام ديناً استعبادياً ونسبة مماثلة ترى ضرورة حصر حرية العبادة للمسلمين.

ومثل هذه الآراء ليست غريبة في ألمانيا، وفي الغالب تكون نتيجة للتغطية السلبية التي تقوم بها وسائل الإعلام عن الإسلام والمسلمين. فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت حدة انتقاد المسلمين في وسائل الإعلام الألمانية إلى حد كبير، وما زال ذلك قائماً بعد بدء حرب أفغانستان ثم غزو العراق، ومنذ اندلاع النقاش حول جهاديين ألمان سافروا إلى سوريا لمقاتلة نظام بشار الأسد، والتحذير المتواصل لأجهزة الأمن الألمانية من عودتهم إلى ألمانيا، وخطر تنفيذهم اعتداءات في أراضيها، رغم عدم تعرض ألمانيا إلى اعتداء من قبل الإسلاميين منذ هجمات سبتمبر إلى اليوم. غير أن رواج الربط بين المسلمين والإرهاب والذي تقوي في انتشاره تصريحات بعض المسؤولين الألمان مثل هانز غيرغ ماسن رئيس البوليس السري الألماني، ساعد في بلورة هذه الصورة السلبية عن الإسلام في رؤوس كثير من الألمان وهذا ما تستغله الأحزاب الشعبوية جيداً.

وعلى سبيل المثال صرح هانز يورجن إيرنر نائب رئيس كتلة المسيحيين الديمقراطيين في برلمان ولاية “هيسن” أن الإسلام يسعى إلى الهيمنة على العالم، وقال أمام البرلمان: إن ألمانيا ليست بحاجة إلى عدد إضافي من المسلمين، وإنما ينبغي خفض عددهم في ألمانيا. من وجهة نظر المتابعين فإن هذا أكثر من مجرد رأي، ويبدو أن هذا السياسي يرغب في أن يتبنى حزبه أيضاً استراتيجية الأحزاب الشعبوية، والاستفادة من استراتيجية التخويف من الإسلام. فقد وبخت اللجنة الأوروبية المناهضة للتمييز ألمانيا قبل مدة وجيزة لعدم انتهاج سياسة صارمة ضد مرتكبي الجرائم العنصرية في ألمانيا، ولأنها لا تقر بأن هذه الجرائم عنصرية، وأبلغتها بضرورة أن تحذو حذو الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان شرعتا قوانين تدعو إلى معاقبة مرتكبي الجرائم العنصرية ومنها بث الحقد كما يفعل الشعبويون الألمان تجاه الإسلام والمسلمين في ألمانيا.