مسؤولية الأحداث: تحديد البلوغ «1»

راشد بن ناصر المشيفري -

إذا لم تظهر عليه علامات البلوغ فإن المخرج هو تحديد السن إلا أن الفقهاء اختلفوا على عدة أقوال: فمنهم من حدده بسن الخامسة عشرة للذكر والأنثى، وهو قول الإباضية، وأبو يوسف ومحمــد وهما الحنفيــة، والمالكية في روايـة، والشافعيـة،والحنابلــة، والإمامية. وقد استدلوا بما روي عن ابن عمر الخطاب -رضي الله عنهما- قال: «عرضني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة، فحدثته بهذا الحديث فقال إن هذا الحد بين الصغير والكبير ووجه الدلالة هو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجز ابن عمر إلا بعد البلوغ، والبلوغ حدد بالخامسة عشرة. قال الشافعي: لقد رد النبي -صلى الله وسلم عليه- سبعة عشر من الصحابة وهم أبناء أربع عشرة سنة لأنه لم يرهم بلغوا ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فأجازهم، منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر، وقال أيضاً تقام الحدود على من استكمل خمس عشرة سنة وإن لم يحتلم؛ لأن النبي -صلى الله وسلم عليه- فصل بين المقاتلة والذرية، وذلك أنه إنما يجب القتال على من تجب عليه الفرائض، ومن وجبت عليه الفرائض وجبت عليه الحدود وهذا ما أكده ابن عمر نفسه في رواية أخرى حيث قال: «عرضت على رسول الله -صلى الله وسلم عليه- وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ولم يرني بلغت، ثم عرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. وروي أيضا عن رسول الله في الصبي: «إذا بلغ خمس عشرة أقيمت عليه الحدود» وقد أشار ابن قدامه في «المغني» بأن «السن معنى يحصل به البلوغ يشترك فيه الغلام والجارية فيستويان فيه كالإنزال».

هناك دليل آخر اعتمد عليه أصحاب هذا القول ألا وهو الحديث المشهور عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» وفي رواية أخرى:»… والصبي حتى يكبر». وفي رواية: «والصبي حتى يعقل». فالروايات الثلاث السابقة كما ذكر السيوطي في «الأشباه والنظائر» بأنها تحمل معاني متقاربة و”تحصل عند خمس عشرة سنة، فالكبر إشارة إلى قوته وشدته واحتماله التكاليف الشاقة، والعقل المراد به فكره، فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكن فكره تاماً وتمامه عند هذا السن، وبهذا يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع”. والاحتلام إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الموبقات وتجذبه إلى الهوى في الدركات.