مسؤولية الأحداث: تحديد البلوغ «2»

راشد بن ناصر المشيفري -

ومن أقوال الفقهاء أيضا في تحديد سن البلوغ قول يفرق بين الجنسين فيحدد بسن الثامنة عشرة للذكر، وسن السابعة عشرة للأنثى، وهو قول أبي حنيفة حيث رأى أن يكون آخر سن البلوغ هو إتمام ثماني عشرة سنة للذكر أما الأنثى بإتمام سبع عشرة سنة. وأدلة هذا القول في التفرقة بين الذكر والأنثى من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، فمما استدلوا به من القرآن الكريم قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة الأنعام، الآية 152..

وبيّن السرخسي، في كتاب « المبسوط « المقصود بالأشد في الآية هو الصبي الذي لم يقل عن الثامنة عشرة، فوجب تقدير مدة البلوغ به، ولكن الأنثى أسرع نشوة، فينقص في حقها سنة ، أما دليلهم من السنة النبوية المطهرة ما روي عن رسول الله صلى الله وسلم عليه حيث قال: «رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبي حتى يحتلم»، وقد جعل عليه السلام الاحتلام غاية لارتفاع الخطاب والخطاب بالبلوغ دلّ على أن البلوغ يثبت بالاحتلام… وإذا ثبت أن البلوغ يثبت بالاحتلام فإنه يثبت بالإنزال.. فإن لم يوجد شيء مما ذكر فيعتبر البلوغ بالسن.

فالشرع ــ كما قال الكاساني في « بدائع الصنائع»ــ لما علق الحكم والخطاب بالاحتلام ــ فيجب بناء الحكم عليه، ولا يرتفع الحكم عنه، ما لم يتيقن بعدمه، ويقع اليأس عن وجوده، وإنما يقع اليأس بهذه المدة، لأن الاحتلام بهذه المدة متصور في الجملة، فلا يجوز إزالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه بالاحتمال… فمادام الاحتلام يرجى يجب الانتظار، ولا يأس بعد مدة خمس عشرة إلى هذه المدة..» ويقصد بالعبارة هذه أي الثامنة عشرة حيث نص قائلا: «ثماني عشرة في الغلام وسبع عشرة في الجارية، ومن الفقهاء من حدد السن بالتاسعة عشرة وهو رأي ابن حزم في «المحلى « حيث قال: «إن الشرائع لا تلزم إلا بالاحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة، أو إنزال الماء الذي يكون منه الولد إن لم يكن احتلاما، أو بتمام تسعة عشر عاماً كل ذلك للرجل والمرأة» ويقول أيضا : فإذا تجاوز الرجل والمرأة التسعة عشر عاماً قمرية بساعة فقط لزمهم حكم البلوغ في كتاب الأحكام في أصول الأحكام، ولم يظهر لي استدلاله برواية إلا أنه عارض رواية ابن عمر التي اعتمد عليها الجمهور الآنفة الذكر وقال : بأنها لا حجة لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إني أجزته لسنه، وكان عام الخندق بالمدينة لا خروج عليهم فيه، فالله أعلم لماذا أجازه « فمعنى كلامه هذا أن سن البلوغ عنده هو إتمام التاسعة عشرة وهو بهذا لم يأخذ بظاهرة الروايات.