راشد بن ناصر المشيفري -
من الفقهاء من يرى عدم إيجاب الدية على الحدث ، ويعدونها هدرا ، وهو قول الظاهرية كما هو منصوص عليه في « المحلى» وقد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة… وعن الصبي حتّى يحتلم» وجه الدلالة لديه : أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع الملامة والغرامة، ولم ينص عليها في الحديث. قوله عليه السلام: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» وجه دلالة هذه الرواية أن أموال الصبي بنص هذا الحديث حرام كتحريم دمه، ولا نص على الغرامة وإنما عموم الرواية كما حرمت الدماء، حرمت استغلال مال الصبي وتغريمه، والحديث لم ينص على إيجاب الدية على الحدث وقد أجمعوا على سقوط الكفارة عن الحدث، فلماذا لا يقاس عليها الدية فتسقط؟ لكن رد الجمهور كما ذكر الخطاب في «مواهب الجليل» فاعترض الجمهور بأن المرفوع في الحديث هو الإثم، وهو من خطاب التكليف، وأما الضمان فهو من خطاب الوضع، وخطاب التكليف شرط فيه علم مكلف وقدرته وخطاب الوضع لا يشترط فيه علم مكلف ولا قدرته . وأضاف غيره بأن الحديث يتعلق به المأثم في الآخرة إذا كان الفعل على الأموال عدواناً وظلما.ومن المعلوم لدينا عدم إجماع الفقهاء على سقوط الكفارة، بل الذي عليه الجمهور هو وجوب كفارة القتل على الصبي، ويوافق الجمهور في وجوب الدية، ولكن ليست على العاقلة، وإنما على الصبي في ماله وهو الأظهر من مذهب الشافعية ووجه الدليل هو اعتبار أن عمد الصبي المميز عمدا، لأنه يجوز تأديبهما على القتل، فكان عمده عمداً كالبالغ .يتبين مما سبق أن رأي الجمهور هو الذي يحسن بي اختياره وكذلك الدية تعتبر جبراً لخاطر المجني عليه، والحدث كما هو معلوم لا يحمل القصد كما يحمله البالغون. لذا فإن الدية تتحملها العاقلة. ومن ينظر إلى عموم الأدلة يجدها تدل على أن الإنسان خلق مكرماً ومحفوظاً ومقاصد الشريعة كما هو معلوم من ضمن أهدافها هو حفظ الضروريات الخمس: الدين والنفس والنسل والعرض والمال، فكيف تحفظ كل هذه وبعدها نقول جناية الصبي مهدورة كما يرى ابن حزم! وباختصار شديد فإن حكم الصبي كالبالغ في دية النفس وأطرافها، إذا كان فيها منفعة مقصودة، تفوت بقطعها كاللسان واليد والرجل وأشباه ذلك، ويجب الأرش كاملاً بتفويتها إذا علمت صحتها في بعضها بالحركة وفي اللسان بالكلام، وفي العين يستدل بها على النظر، ولا يكتفى بالأصل فيقال: الأصل هو الصحة، لأنّ هذا يحتمل التبدل والمحتمل لا يصلح
فالصبي إذن لا يقتص منه باتفاق لأنه ليس من أهل العقوبة، والأرش تكون على عاقلته هذا هو المشهور بين الفقهاء وهم الجمهور إلا الظاهرية كما سبق أن ذكرت في المسائل السابقة أنهم يرون كل شيء على الصبي هدر، وقد ذكر في كتاب تمهيد قواعد الإيمان من كتب أصحابنا هذا القول على أنه من ضمن الأقوال المذكورة بين الفقهاء. وقد سألت سماحة الشيخ أحمد الخليلي حول جناية الصبي فيما دون النفس هل يقتص منه؟ فأجاب: أن الصبي يردع ولا يقتص منه فيما دون النفس.