عيادة المريض من الأحكام الشرعية الحياتية التي تعبر عن الحضارة الإنسانية بالتراحم والتواصل عند العوز، والتسامي عند المحن، فإذا وقع الإنسان أسير المرض تسارع إليه إخوانه بالرعاية الممكنة دون أن يعوقها جهل به، أو خصومة معه.
ويقول الدكتور سعد الدين مسعد هلالي أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر في كتابه «حقوق الإنسان فى الإسلام»: جاء الإسلام موضحا لهذا المعنى الإنسانى، فجعل عيادة المريض حقا من حقوقه، ورسالة من رسائل الإسلام للإنسانية يتنافس على الابتداء بها كل مسلم. عن أبي موسى الأشعري، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :» فكوا العانى-قال: يعني الأسير- وأطعموا الجائع، وعودوا المريض».أخرجه البخارى
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه، عن على بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسى، وكان له خريف فى الجنة». وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من عاد مريضا نادى منادٍ من السماء:طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا). أخرجه ابن ماجه
عن حكم الأصل فى عيادة المريض بين المسلمين، رأى جمهور الفقهاء حمل الأحاديث الآمرة بعيادة المريض على الاستحباب دون الوجوب، تكريما للمريض الذى يشعر بحضور زائره طواعية وعن طيب خاطر، فيتسلى بعيادته، وتقوى عزائم نفسه، مما يساعده على الاستشفاء، فإن علم المريض حضوره زائره جبرا عنه لم يتحقق له هذا المعنى الإنسانى.
وفي حال احتياج المريض لعائده :فإن درجة استحباب زيارته تزداد تأكيدا حتى تصل إلى درجة الوجوب، كما تكون واجبة على من تجب عليه نفقته.وفى هذا اعتبار واضح للمعنى الإنسانى في عيادة المريض. وأما الأحاديث التى تنص على أن عيادة المريض حق من حقوق المسلم، فأذكر منها ما أخرجه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه ،أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : « حق المسلم على المسلم ست» .قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فأتبعه).
ومن الآداب التى تؤكد المعنى الإنسانى في حكم زيارة المريض أنه يستجب للعائد أن ينفس للمريض في أجله، سواء رجا حياته أو كانت محتملة. ويدل لذلك ما أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال :عن أبى سعيد الخدري ،أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :(إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئا، وهو يطيب بنفس المريض).
كما يسن للعائد أن يسأل المريض عن حاله، يقول ابن القيم:» كان النبي صلى الله عليه وسلم يدنو من المريض، ويجلس عند رأسه، ويسأل عن حاله، فيقول:كيف تجدك».
أخرج ابن ماجه والترمذى وحسنه، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال :(كيف تجدك)؟ قال : أرجو الله، وأخاف من ذنوبى ، فقال صلى الله عليه وسلم:(لا يجتمعان في قلب عبد فى مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه، وأمنه مما يخاف). قال ابن حجر :قوله «كيف تجدك؟» اى تجد نفسك، والمراد به الإحساس، أى كيف تعلم حال نفسك.
كما يسن للعائد أن يدعو للمريض بالشفاء، يقول ابن القيم: كان النبى صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويدعو له، وربما كان يقول:(كفارة وطهور)، وكان أحيانا يضع يده على جبهة المريض ثم يمسح صدره وبطنه ووجهه ويدعو له، وكان يرقى من له شكوى أو قرحة أو جرح، وكان إذا يئس من المريض قال :(إنا لله وإنا إليه راجعون) .
ومن الأحاديث الواردة فى ذلك: ما أخرجه الحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك، ينكأ لك عدوا، أو يمشي لك إلى صلاة) . وعن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم عاد أخاه فدخل عليه، ولم يحضر أجله، فقال :أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفى فلانا من مرضه، سبع مرات، إلا شفاه الله منه».
كما أن الإهداء للمريض وإطعامه ما يشتهيه من آداب عيادة المريض أن يستصحب معه ما يستروح به، يقول ابن القيم:(كان النبى صلى الله عليه وسلم يسأل المريض عما يشتهيه فيقول : هل تشتهى شيئا؟ فإن اشتهى وعلم أنه لا يضره أمر له به).
أخرج ابن ماجه ، عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد رجلا فقال « ما تشتهي»؟ قال :أشتهى خبز بر. وفي لفظ من رواية أنس : اشتهى كعكا، فقال صلى الله عليه وسلم:» من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه». ثم قال صلى الله عليه وسلم:( إذا اشتهى مريض احدكم شيئا فليطعمه).
وأيضا يستحب عند زيارة المريض: عدم إكراهه على الطعام أو الشراب، لما أخرجه ابن ماجه والترمذي، عن عقبة بن عامر الجهنى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب،فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم).
وعن وقت عيادة المريض يقول ابن القيم:(لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يخص يوما من الأيام بعيادة المريض ليلا ونهارا فى سائر الأوقات) وقال ابن حجر : «لكن جرت العادة بها طرفى النهار». ومن آداب العيادة ألا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض أو يشق على أهله، فإن اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس.
ومن الأحكام الشرعية التى تعد مظهرا من مظاهر مساواة الإسلام بين الناس فى المشاعر الإنسانية ما ذكره الفقهاء من مشروعية عيادة المريض دون التفريق بالجنس ما لم تخش الفتنة، وأيضا عيادة الفقير والصغير ومن لا تعرفه .