فن الاعتذار !

خلود الفزارية -

يعد الاعتذار من أدوات الحياه التي لا غنى للإنسان عنها، والتي يجب على الفرد أن يتقن مهارة استخدامه، فهو سبب كبير في تأصيل العلاقات الاجتماعية بين الأفراد سواء داخل الأسرة أو في المجتمع ككل.

والاعتذار له أساليب وطرق معينة ينبغي على المرء أن يكون على معرفة ودراية بها، فهو ثقافة يجب أن تغرس في النفوس وتؤصل بين الأفراد كونها إحدى ركائز العلاقات الاجتماعية بين البشر مهما اختلفت أجناسهم وتباينت توجهاتهم.

وهناك بعض المظاهر التي تحدث في المجتمع والتي ينبغي الإشارة إليها مثل الوقوع في خطأ ما أو التأخير عن موعد أو حتى عدم الحضور أو عدم القدرة على إنجاز مهمة ما أو عمل من الأعمال، أو السفر بصحبة أو دعوة للعشاء وغيرها من الأمور الأخرى التي يجب أن يكون الاعتذار حاضراً فيها ولا يكلف المرء إلا رسالة أو مكالمة لكن بسبب تقزيم الأمر وعدم إجادة أسلوب الاعتذار يؤدي بالمرء إلى الوقوع في إحراجات وإلى شحن النفوس في بعض الأحيان، وقد تترتب على ذلك تبعات يصعب تلافيها، بل قد تؤزم الأمور أكثر مما نظن. ومن الخطأ أن يظن المرء أن الاعتذار دليل الضعف أو الغباء بل هو قمة الرقي الأخلاقي والإنساني في التعامل مع بني الإنسان.

والإنسان بما أنه إنسان فهو معرض في الكثير من المواقف للخطأ والنسيان ويأتي الاعتذار ليحل تلك المعضلة بطريقة سلسلة وغاية في الرقي العقلي والإنساني، فكم من المواقف نجد البعض يحرج فيها من الاعتذار بسبب تكليفه إنجاز مهمة أو اجتياز دور أو تقديم معاملة على أخرى وإذا لم تنجز تجده يتهرب وكان الاعتذار أبسط وأقصر الطرق فأنت بشر في النهاية لك طاقة وقدرة، والاعتذار في مثل هذه الحالة ينقّي النفس ويصفيها مما قد يعلق بها من الكدر.

والمجتمع العماني يضرب به المثل في الخلق وحسن التعامل، حتى أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) أثنى على أهل عمان.

لكن نتيجة للتطورات المتسارعة في الحياة ظهرت بعض النماذج التي نسوقها هنا حتى نتجنبها وننأى عنها مثل الاعتذار عن حضور حفل، أو الدعوات الخاصة بين الأسر، وغيرها.

فتجد تلك الجهات تتكبد العناء من أجلهم ويترتب على ذلك تكاليف مادية نتيجة للحجز والتجهيزات، وضرر يتعدى الجانب المادي إلى النفسي لما يتركه في نفس الأفراد من ترسبات ومواقف كانت إزالتها من البداية متاحة بأبسط وأقصر الطرق.

وهناك نصائح نوجهها إلى أفراد المجتمع الذين هم بشهادة من عايشهم مضرب المثل في سمو الأخلاق، فلا تعد زميلا لك بسفر ثم تتراجع بدون سبب مقنع وإلا فاعتذر واجعل غيرك يحس بأن اعتذارك نابع من قلبك، وإذا ما اضطررت لعدم تلبية دعوة فقدم اعتذارك مسبقاً مشفوعاً بأسبابه، وقد يصل الأمر مع البعض للتهرب من موعد أو غيره بتجاهل حتى المكالمات الهاتفية، الأمر الذي يعد استخفافا بغيره، فلن يكلف الأمر إذا ما تنازل قليلا وعبر عن عدم استطاعته لتلبية طلب الآخر دون أن يضع نفسه في موقف المتهرب ويبتعد عن الإحراج.

قد يبدو الأمر للبعض أن الحياة تسير سواء اعتذر أم لا، ولا يدرك أنه بفعله هذا ينتقص من قدر أولئك الناس وأنه يضرب في كرامتهم، فالبعض يضخم الاعتذار ويتهرب عنه وكأنه حمل ثقيل عليه.

في حين لا يعدو أن يكون بضع كلمات راقية وعذبة تخرج عن طيب خاطر ويتقبلها الطرف الآخر بكل رحابة صدر.

هناك الكثير من الناس لا يتقنون فن الاعتذار لكنهم يستعينون به لمجرد إرضاء غيرهم حتى وإن كان ذلك ضد رغباتهم الشخصية ومصالحهم وأوقاتهم، وقد يقعون كالضحية لعدم الاعتذار الذي يجنبهم التضحية والتي قد تكون كبيرة، فإلى متى يبقى هؤلاء تابعين للآخرين بدون أن يتمكنوا من الاعتذار بأسلوب حضاري ولائق؟!

يجب على الجميع أن يعوا أن للاعتذار أسبابه ودوافعه وبعضها قد تمحو كل السيئات عن البعض، وتكاد أساليب البعض في الاعتذار تظهر شخصياتهم ورقيهم بعلاقاتهم الإنسانية وتكشف معادن الناس في طرق تعاطيهم.

فالاعتذار ليس عيبا أو جريمة وفي المقابل فإن عدم الاعتذار خطيئة يصعب غفرانها، ولنا في صحابة رسول الله المثل حيث لم يكونوا يمسون أو يصبحون وفي قلب أحدهم على الأخر شيء، لذا علينا أن نعود أنفسنا وأبناءنا على أهمية الاعتذار وإجادته والارتقاء بأساليبه لأنه مرآة تعكس نفس الإنسان كما أنه أسلوب حياة يقوم على الحب والاحترام.