المرأة في السنة: في المجالس النيابية

يبدو واضحاً أنه لا مانع شرعيا من وجود المرأة في المجالس النيابية، استصحابا للقاعدة الأصلية التي قررناها مرارا، وهي أن الأصل في كافة الأحكام الشرعية أن تتساوى فيها المرأة بالرجل إلا ما ثبت نصا اختصاص أحدهما بهن ولا نجد في القرآن الكريم ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة (فيما نعلم) نصا يمنع المرأة منه.

ويؤكد الدكتور محمد بلتاجي في كتابه «مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة» أن الفقه الإسلامي في مجموعه يبيح لها أن تكون (وكيلة) عن فرد أو مجموعة أفراد، وما عضوية المجالس النيابية في حقيقتها إلا هذا.

وقبل أن يعجل علينا أحد بالخلاف تقول: إن الشبهة التي تؤدي في عقول بعض الإخوان إلى الخلاف معنا في هذه القضية منبعثة من اختلاط مفهوم (أهل الحل والعقد) في النظريات والتطبيقات الإسلامية الأولى بمفهوم النيابة في المجالس النيابية المعاصرة، ذلك أن الله تعالى أمر بالشورى ومدح القائمين بها، لكنه لم يحدد لنا طريقا معينا تلتزمه (دون غيره) في تطبيق الشورى، وقد سكتت النصوص عن هذا لأن التطبيقات المحتملة للشورى تصل إلى العشرات، لكل مجتمع فيها ما يتناسب مع ظروفه وأوضاعه، فالحكم الإسلامي عرف في ربع القرن الأول من تاريخ الحكم في الإسلام ثلاثة تطبيقات مختلفة لمعنى الشورى المأمور بها: وهي النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمر للمسلمين بالكلية، وأبو بكر استخلف عمر رضي الله عنهما. وعمر اختار ستة نفر في تفصيل خاص.

وهكذا يقبل نظام الشورى العام في الإسلام تفصيلات عديدة لا تضييق فيها على المسلمين ولا إلزام بواحد معين منها أو أكثر، فكل ما يؤدي إلى تحقيق الشورى من نظم تفصيلية فلا حرج على المسلمين في أن يأخذوا به ما دام يتناسب مع ظروفهم ويؤدي إلى تحقيق معنى الشورى المأمور به.

وقد وصلت البشرية في بعض تطبيقاتها إلى (النظام النيابي) الذي انتشر في كثير من البلدان الإسلامية بما يستتبعه من ترشح فرد ليكون نائبا ووكيلا عن عدد ما يمثلهم ويعبر عن إرادتهم في المجلس النيابي بعد أن يرضوه ويرضوا عن برنامجه الانتخابي الذي يبين فيه كيف سيمثلهم، وما الذي سيلتزم به في هذا التمثيل، وكيف سيعبر عن إرادتهم وتطلعاتهم، وكيف سيتعرف عليها، وكيف سيكون على اتصال دائم بهم أثناء ممارسته لشئون النيابة عنهم، فالذي يربطه بهم (بعد ما يختارونه في انتخاب حر) إنما هو في حقيقته عقد نيابة ووكالة عنهم، فهل في النصوص الإسلامية ما يمنع المرأة من أن تنوب وتوكل عن مجموعة من الناس على هذا النحو؟ ليس في القرآن الكريم ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ما يمنع من ذلك، وكل ما يشترطه الفقه الإسلامي في ذلك – كما يقول ابن رشد بحق – «ألا يكون الوكيل ممنوعا بالشرع من تصرفه في الشيء الذي وكل فيه» فلا يصح توكيل المرأة مثلا في عقد النكاح عند من يشترط الولي من الفقهاء، وسنعرض فيما بعد إن شاء الله لولي النكاح خاصة في الفقه الإسلامي، ولماذا كانت له هذه الخصوصية.

وهل للمرأة حق في أن تنتخب هي مع الرجال من ينوب عنهم جميعا في المجلس النيابي؟ لا شك عند من يراجع نصوص الفقه الإسلامي وقواعده في أن ما جاز للإنسان أن يقوم به من أمور التعبير عن الرأي – رجلا كان أم امرأة – فإن له أن يوكل وينيب عنه فيه، ويحكي ابن رشد بحق اتفاق الفقهاء «على وكالة الغائب» والمريض، والمرأة المالكين لأمور أنفسهم».

ومن هنا نرى أن للمرأة في الإسلام أن توكل نائبا عنها في المجلس النيابي (حق الانتخاب)، كما أن لها أيضا أن تكون وكيلة عن مجموعة من الرجال والنساء يختارونها لهذا الغرض بحيث تصبح (نائبا في المجلس النيابي) ولا فرق في هذا بينها وبين الرجل، ما دامت (المقومات الشخصية الخاصة) لكل منهما تؤهله لهذا.

والذين يريدون تنحية المرأة عن هذا كله بحجج واهية مثل ضعف عقل المرأة، وعدم معرفتها بأمور الحياة، والفساد الخلقي والاجتماعي لمشاركتها، وترضها للفتنة، إلى آخر ما عرضنا لإبطاله من قبل – عليهم أن يتجاهلوا أيضا في السنة وفي صدر الإسلام وقائع ثابتة قاطعة باشتراك المرأة في الحياة العامة وتقديمها مشورات جيدة بحق لم يكتب لرجل ما من أقرانها أن يقدمها.

ويرى الدكتور مصطفى السباعي (رحمه الله) (عميد كلية الشريعة الأسبق بجامعة دمشق في كتابه «المرأة بين الفقه والقانون» أن مجموعة من فقهاء الشريعة دار الحوار بينهم حول مدى إقرار الشريعة لحق المرأة في الانتخاب والترشيح وقد انتهوا بعد المناقشة وتقليب وجهات النظر إلى «أن الإسلام لا يمنع من إعطائها هذا الحق، فالانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة، فعملية الانتخاب عملية توكيل يذهب الشخص إلى مركز الاقتراع فيدلي بصوته فيمن يختارهم وكلاء عنه في المجلس النيابي يتكلمون باسمه ويدافعون عن حقوقهن والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في المجتمع». ثم يقول: «إذا كانت مبادئ الإسلام لا تمنع أن تكون المرأة ناخبة، فهل تمنع أن تكون نائبة؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب أن نعرف طبيعة النيابة عن الأمة، إنها لا تخلو من عملين رئيسيين:

1 – التشريع: تشريع القوانين والأنظمة.

2 – المراقبة: مراقبة السلطات التنفيذية في تصرفها وأعمالها.

أما التشريع فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة، لأن التشريع يحتاج قبل كل شيء إلى العلم مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لابد منها، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء، وفي تاريخنا كثير من العالمات في الحديث والفقه والأدب وغير ذلك.