سكرة الموت

إعداد: جوخة الحارثية -

قال تعالى :

(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)

[سورة ق:19]


معاني المفردات :


(سكرة الموت) : الغشية أو الغيبوبة التي تأخذ اﻹنسان و هي وقت الغرغرة و خروج الروح….و تعني شدته المحيرة الشاغلة للحواس، المذهلة للعقل ،وسميت سكرة الموت لأنها مقدمة للموت.

قال تبارك وتعالى:(وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)

فالسكر قد يكون بالخمر، وقد يكون بسبب الشدة التي يقع فيها الإنسان بحيث تحيره وتشغل حواسه وتذهل عقله، وقد قال النبي صل الله عليه وسلم :(لاإله إلا الله ،إن للموت لسكرات)!

وأستعيرت السكرة للشدة، ووجه الشبه بينهما أن كليهما مذهب للعقل، فكما أن الخمر تذهب العقل كذلك الشدة أحيانا تذهب عقل اﻹنسان.

(بالحق) : ﻷن الحق هو الموت.

فهو حقٌ لكل مخلوق وسهم أطلق لكل مولود. ،،، و لذلك يموت اﻹنسان جنيناً و طفلاً و شاباً و شيخاً. و كلمة الحق توحي بأن :

النفس البشرية ترى الحق كاملا وهي في سكرات الموت .

تراه بلا حجاب وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد

ولكن بعد فوات الأوان !! حين لا تنفع رؤية … ولا يجدي إدراك ….ولا تقبل توبة ….ولا يحسب إيمان!!

( ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) : أي تميل عنه و تخاف منه.

والمعنى: أنه يقال له في و قت الموت: هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحقّ هو .

نعم كلنا يخاف الموت و يبعده عن نفسه و يتصور أن كل الناس سيموتون إلا هو!!

والابتعاد عن شبح الموت له حكمة مرادة للحق سبحانه و تعالى ! فلو استحضر كل واحد منا حقيقة الموت ما هنىء له عيش و لا قر له قرار و ما انتفع أحد منه بعمل ،،،،

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تغشاه الموت جعل يمسح العَرَقَ عن وجهه ويقول:” سبحان الله . إن للموت لسكرات “ . .

يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق إلى لقاء الله . فكيف بمن عداه ؟؟؟!!!!


فالموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه أو يبعد شبحه عن خاطره !!ولكن أنى له ذلك: والموت طالب لا يمل الطلب ، ولا يبطئ الخطى ، ولا يخلف الميعاد !

و من آيات الله في الموت انه أبهمه زماناً و مكاناً.

فجاء اﻹبهام أوضح بيان لأن اﻹبهام جعلك تنتظره في كل وقت.

وجعلك تستعد له بالتوبة والعمل الصالح و جعلك تستحي من الله أن يفاجئك الموت و أنت على معصية!

إن ذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال !

وإن الإنسان ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة !

فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات!!!!

******

إن سورة ( ق) من السور التي ينبغي تدبر معانيها فهي تعالج قضية مهمة وهي قضية إنكار البعث وتذكر اﻹنسان بمراقبة الله لخلقه وتعرض له مشاهد الموت والعرض والحساب.

وقد ورد أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقرأ سورة ق في كل جمعة على المنبر اذا خطب الناس.

نحن ما خلقنا إلا لنموت…ثم نجزى بما عملنا..ما أخطأ الموت من قبلنا وما هو بمخطئنا…

كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

أنتم طرداء الموت : إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلكم !

الموت معقود بنواصيكم ، والدنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرها شديد ، وعذابها جديد، ليس فيها رحمة ولا تسمع فيها دعوة •

ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ قد ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺍﺵ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳَﻌُﺪُ ﺃﻧﻔﺎﺱَ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺃﻫﻠﻪ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﺒﻜﻮﻥ ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺼﺎﺭﻉ ﺍﻟﻤﻮﺕ..ﺳﻤﻊ ﺍﻟﻤﺆﺫﻥ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﻟﺼﻼ‌ﺓ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻭﻧﻔﺴُﻪُ ﺗُﺤﺸْﺮﺝُ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ ﻭﻗﺪ اﺷﺘﺪّ ﻧﺰﻋُﻪ ﻭﻋﻈـُﻢ ﻛﺮﺑﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﻗﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻪ :

ﺧﺬﻭﺍ ﺑﻴﺪﻱ…!! ﻗﺎﻟﻮﺍ : ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ؟ .. ﻗﺎﻝ : ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ..

ﻗﺎﻟﻮﺍ : ﻭﺃﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ !!

ﻗﺎﻝ : ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ .. !! ﺃﺳﻤﻊ ﻣﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﻻ‌ ﺃﺟﻴﺒﻪ!!

ﺧﺬﻭﺍ ﺑﻴﺪﻱ..

ﻓﺤﻤﻠﻮﻩ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻦ ﻓﺼﻠﻰ ﺭﻛﻌﺔ ﻣﻊ ﺍﻹ‌ﻣﺎﻡ ﺛﻢّ ﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﺩﻩ !

ﻧﻌﻢ ﻣﺎﺕ ﻭﻫﻮ ﺳﺎﺟﺪ ..

فالتوبة..ثم التوبة..ثم التوبة

قبل.. أن تقول نفس (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله)


*********


أيامنا تمضي ..وأعمارنا تنقص .. وأجلنا قدرٌ محتوم سنصل إليه في أي لحظة …

تأمل في الساعة الرملية ..

هكذا أبتدأنا الحياة ، وهذا ما تبقى لدينا


مَوتْ

مَاتَ

مَيِتْ


إنها كلمات مكونة من ثلاثة حروف فقط .. سهلة النطق ،،

لكنها تهز القلوب الحية وتقض المضاجع


موت،،،،

كلمة تخبرك عن ضيف سيحل بك رغم أنفك وبدون تحديد لموعد الزيارة.. فهو صاحب الشأن بهذا الخصوص ..!! وقد قصم ظهور الجبابرة وأوسدهم التراب فكيف بك أنت؟

مات

كلمة تخبرك عن إنسان فارقك إلى غير رجعة أو لقاء في هذه الدار .. وأصبح من أخبار الماضي ولم يبق لك منه إلا الذكريات.. وإن كان فارقك منذ سويعات!!

ميت

كلمة ستقال عنك في إحدى اللحظات .. إنها أجلك ونهايتك في هذه الحياة..


فهل أنت مستعد لما بعدها؟

وهل نحن مستعدون للحظة الصفر ؟

و ما الفرق بين من عمل طيباً ومن عمل سيئاً في استقبال الموت ؟!


فالإنسان إذا كان عمله سيئا يحيدُ عن الموت ،وإذا كان عملهُ طيِّبا يتمنَّى لقاء الله عز وجل ..


فاطمة رضي الله عنها قالت: واكربتاه على أبت ! فقال لها عليه الصلاة والسلام: لا كرب بعد اليوم على أبيك !!


كلّ إنسان قدّم من الخير الكثير يكون الموت عنده تُحفة، والموت عنده عرس

وكلّ من أكل الحرام وانْحرف،، وتجاوز،،غيبة ونميمة،،واحْتِيال بالورثة،،

وغِشّ بالبيْع والشِّراء،..وعلاقات غير طيِّبة،، وغيرها….

هذا إذا ذُكِرَ بالموت ارْتَعَدَت فرائصُهُ !


قال تعالى :

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾


*****

أيها الأحبة ،،،

نعيد ونذكر أنفسنا بضيف ينتظر الأمر من رب الكون ليزورنا ،،

ولكننا وأسفاه نُجهز ونستعد لضيوفنا في الدنيا ولكن !!

هل جهزنا العدة لإستقبال الضيف المنتظر…


الموت

فالإنسان كما قال تعالى:

﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾


الموت

هذا الذي لا يستطيع أن يتفلَّت منه إنسان،!!

فقد حُكِمَ علينا بالموت مع وقْف التَّنفيذ !

وكلّ واحد له يوم تُنَفَّذ فيه هذه القضية !!


*رجل يعْمل في الفنّ، والغِناء، يخاف الموت خوفًا لا حدود له، فما ركِب طائرةً في حياته، وما أكل مساءً إلا فاكهةً، ويأكل يومًا سمكًا وآخر دجاجًا والرياضة لا يتوقف عنها، ثمّ مات، قال تعالى:

﴿ ذلكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾

نعم هناك من يحيد ويتهرب من الموت بأفعاله كما فعل هذا الرجل ..ومنهم من يحيد ويتهرب بتفكيره !! فلا يكلف نفسه بأن يتذكر لحظة الموت !! يعيش يومه وكأنه يضمن أن يعيش العمر كله ،، وهذا وللأسف حالة الأغلبية منا !


لنسأل أنفسنا :

كم جنازة حضرناها أو رأيناها وتخيلنا أنفسنا مكان الميت ؟!

كم من عزاء حضرناه وقضيناه في الكلام وفي الضحك !! ولم نستشعر للحظه أنه سيأتي اليوم الذي سيقام فيه نفس العزاء لنا ؟

كم دعاء سمعناه ولم يحرك فينا ساكناً ولم تدمع منه أعيننا ؟!


أما آن الآن لهذه القلوب القاسيه أن تلين !!

أما آن الوقت لهذه العين أن تدمع !


لنستفق من غفلتنا ،،لنتستفق من سباتنا العميق ، ولنشمر سواعدنا ونستعد للقاء (( ملك الموت )).