براعم الإيمان: الطمع

عاد أرنوب إلى جحره ليتناول غداءه مع إخوته بعد أن لعب ومرح مع صديقيه، القطة سمسمة، والسلحفاة النشيطة نونة، جاءت والدة أرنوب وهي تحمل طبقاً فيه بعض ثمار الجزر اللذيذ، وما إن وضعت الأم الطبق على المنضدة إلا وقفز أرنوب وأخوته عليه ليلتقطوا ما به، وكان أرنوب أول من قفز.. أتدرون لماذا؟ فقد رأى جزرة أكبر من الجزر الموجود في الطبق، فأراد أن يفوز بها لأن أرنوب لديه عادة سيئة وهي الطمع، فدائما يطمع في أي شيء مع أخوته أو أصدقائه، ودائما يختار الجزرة الكبيرة ويجري عليها قبل الآخرين.

أما هذه المرة فقد سبقته أمه إليها وأخذتها وأعطتها إلى شقيقه الصغير، غضب أرنوب جدا وترك الطعام وأقسم أنه لن يأكل إلا هذه الجزرة الكبيرة، فتركته أمه ولم تكلمه.

ذهب أرنوب إلى سريره غاضبا وجلس يفكر ويفكر حتى نام، ثم بدأ يحلم أنه يمشي في حقل مليء بثمار الجزر الأصفر اللذيذ، يجرى يمينا ويسارا، ويتنقل فرحا بين هذا الجزر الكبير، فالجزرة الواحدة مثل حجمه أو تزيد، وبينما كان سعيدا ومرحا، لفتت نظره ألوان مختلفة وكأنها قوس قزح تظهر وتختفي من بين ثمار الجزر الصفراء الأخرى، ثم سمع صوتا واضحا يناديه: “أرنوووووب، أرنووووووب”، التفت أرنوب يمينا ويسارا فوجد الصوت يصدر من هذه الألوان، وكلما اقترب زاد الصوت وضوحا “أرنوووووب، أرنووووووب”، وإذا به يقف مذهولا لفترة، وبعد أن أفاق اكتشف أن هذه الألوان وهذا الضوء والصوت يخرجوا من جزرة كبيرة يصل حجمها إلى ضعفي جسده الصغير، وكلما تتكلم تلف وتدور حول نفسها، فتخرج منها الألوان الجذابة، فقالت لأرنوب:

- أرنوب، أنا هنا لأسعدك، فماذا تريد؟

- قال لها أرنوب: أنا جائع وأريد طعام.

قدمت الجزرة الملونة جزرة أخرى صفراء إلى أرنوب ولكنها صغيرة، فنظر أرنوب بدهشة إليها قائلا:

- ما هذا البخل، فمن وسط كل هذه الجزرات الكبيرة تعطيني هذه الصغيرة، لا لن آخذها، وأريد واحدة كبيرة مثل هذه وهذه.

ابتسمت الجزرة الملونة وعرفت أن أرنوب طماع، فأرادت أن تلقنه درساً قاسيا حتى يعود إلى صوابه، فقالت له:

- سوف أكافئك مكافأة كبيرة.

- فرح أرنوب بهذه المكافأة التي لم يعرفها، ولكنها مكافأة.

قالت له الجزرة الملونة، سوف أعطيك أكبر جزرة في هذا الحقل، ولكن عليك أن تأتي بها بنفسك، ولكن إذا أتيت بجزرة كبيرة وكان هناك أكبر منها فسيختفي كل هذا الجزر ولن يبقى لك إلا الجزرة الصغيرة التي أعطيتها لك، وإن تأخرت عليها دقيقة فسوف تختفي هي الأخرى.

ضحك أرنوب في سخرية، وقال في نفسه، شيء سهل جدا أن أتعرف على أكبر جزرة، فأنا خبير في ذلك.

بدأت الفرصة، وأخذ أرنوب يجري في الحقل بين هذه وتلك، وكلما ذهب إلى جزرة كبيرة واعتقد أنها هي الأكبر، وسوس له شيطانه أنها ربما لا تكون الأكبر وأنه إذا اختارها فسيفقد الفرصة، فيعود من جديد للبحث عن أكبر جزرة، وإذا بالجزر كله يبدأ في الاختفاء واحدة بعد الأخرى، فتذكر أرنوب كلام الجزرة الكبيرة وفهم أنه لن ينال شيئا، فوقف قليلا ليفكر، وإذا به يشعر بألم في بطنه من شدة الجوع، وتذكر أن الدقيقة المهلة تمر ثانية وراء الأخرى وسوف يختفي آخر أمل له في الطعام وهو الجزرة الصغيرة وينام جوعان، فانطلق يجري ويجري تجاه الجزرة وكلما كان لونها يتلاشى شيئا فشيئا جرى أسرع حتى يلحق بها، وها هو يقترب، يقترب، ثم قفز قفزة كبيرة ليمسك بها، إلا أنه وقع على الأرض ولم يمسك بها، فاستيقظ من نومه وجلس يفكر في هذا الحلم الغريب، وفجأة جرى مسرعا إلى أمه ليطلب منها الجزرة الصغيرة التي أعطته إياها، وأخذها وأكلها وشبع.

جلست أمه إلى جواره وربتت على كتفه ثم قالت: يجب ألا تكون طماعا يا أرنوب وترضى بما قسمه الله لك، لأن الله تعالى يكره الطماعين، ولقد سمعت رجلا في أحد الأيام أثناء محاولتي البحث عن طعام وأنا في مثل سنك، يقول لابنه أن الطمع يلقي بصاحبه في النار وفي عذاب الآخرة، وقال له أيضا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله من طمع يرد إلى طمع ومن طمع في غير مطمع ومن طمع حيث لا مطمع)، وقال الرجل لابنه أيضا “عز من قنع وذل من طمع”.

فيجب عليك يا أرنوب أن ترضى بما قسمه الله لك، حتى يبارك الله لك فيه، فماذا تفضل: تأكل جزرة كبيرة ثم يأتيك ألم شديد في بطنك، أم جزرة صغيرة تستمتع بطعمها وتفرح بها ؟

هز أرنوب رأسه واعتذر لأمه وطلب منها أن تسامحه، وقال لها: اعطيني دائما الجزرة الصغيرة يا أمي، فلقد تعلمت الدرس وسأرضى بما قسمه الله لي، وخرج مرة أخرى ليلعب مع صديقيه ولم يعد أرنوب يعنيه أي شيء كبير في الطعام، لأنه أصبح من القانعين.