هو الإمام العادل والعالم المجتهد محمد بن عبدالله بن سعيد بن خلفان الخليلي(ت: 1373ه). ولد بسمائل سنة 1299ه، وقيل إنه ولد سنة 1295هجرية إلا أن بعض المحققين رجحوا التاريخ الثاني لعدة أدلة لها نصيبها من الدقة والتصحيح. وقيل إنه ولد بمحرم، وهذا ما رجحه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي من خلال ما وجدته في بحث نجله محمد بن أحمد بن حمد الخليلي حيث ذكر ما نصه: (…ذكر صاحب النهضة عن الإمام الخليلي بأنه ولد في سمائل ولكن الظاهر أنه ولد في محرم، يقول الوالد: إنه وجد رسالة عن الإمام إلى أهل محرم قال فيها في حديثه عن محرم: (هي أول أرض مسَّ جلدي ترابها) فهذا دليل على أنه ولد بمحرم، وهو الذي يقوله أهل محرم). وكانت إقامته بنزوى بيضة الإسلام.
نشأ الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في كنف أسرة محافظة لها سيطها في العلم والإمامة، فقد كان أبوه عبد الله بن سعيد بن خلفان الخليلي راعيا له حق الرعاية، حيث نال نصيبا مهما من العلوم على اختلافها مما لا بد أن يتحصل عليه المرء المسلم، كان كثير التنقل بين محرم وسمائل، حتى صار ذلك أمرا عاديا في حياته، فقد بقي على ذلك حتى بعد مبايعته للخلافة مع عدم نسيانه لنزوى التي كان يزورها بين الفينة والأخرى باعتبارها معقلا للإمامة. ومما تجدر الإشارة إليه أنه انتقل أيضا إلى الشرقية خلال تلقيه للعلم من بعض علمائها الأفذاذ، الذين كانت لهم صورة وأثر ناصع في حياة الشيخ الإمام وهو يخوض عباب حياته العلمية والعملية.
من أشهر أئمة عمان وأعدلهم، وأحد أحفاد العالم الشهير المحقق سعيد بن خلفان الخليلي مرشد إمامة عزان بن قيس (1868-1871م).
تولى الإمامة عقب مقتل الإمام الرضي سالم بن راشد الخروصي (1919م) بترشيح من علماء الأمة آنئذ وعلى رأسهم رئيس قضاة الإمامة عامر بن خميس المالكي، والعالم ماجد بن خميس العبري. اتفقت الكلمة عليه فأبى، وأصر العلماء ثلاثا على إمامته لما توسم فيه، وعرف به من صلاحية وتأهل لهذه المهمة الشاقة، وفي تلك الظروف الصعبة.
عرف عنه سعة العلم، وحب الخير، وحسن السيرة.له تلامذة كثيرون حملوا عنه العلم، وأصبحوا ذوي شهرة ومكانة في عمان من بعده، ومنهم من تولى التدريس والقضاء والامور السياسية الأخرى.
أثر عنه كتاب في الأجوبة الفقهية، نشر بعد وفاته بعنوان “الفتح الجليل في أجوبة الإمام أبي خليل”. وتفرد بأقوال كثيرة لسعة علمه وكثرة اطلاعه.
انتقل إلى رحمة الله يوم الاثنين 29 شعبان سنة 1373ه/ 1953م. وكانت مدة إمامته أربعا وثلاثين سنة وتسعة أشهر وسبعة عشر يوما، ودفن في مقبرة الأئمة بنزوى.
صفاته وأخلاقه
عرف الامام بحكمته ومهابته في تقدير الأمور وتسييرها، وله قصص ومواقف خالدة في ذلك، ومنها دهاؤه المطلوب وحكمته في ميدان الصلح بين المتخاصمين، وكم من كرامة إلهية خصه الله سبحانه وتعالى بها، على غرار ما وقع له في مسجد القريتين أثناء عقده مجلس صلح بين المتخاصمين، حيث تكبر أحدهما، حين قال له الإمام الخليلي ولم يكن إماما حينذاك: انت ستقيد فردَّ عليه ومن يقيدني فإذا بجصة تنزل فوق رأس المتكبر ليسيل دمه فيكون عبرة للحاضرين جميعا، وهذه كرامات لا ينكرها إلا من فقد من قلبه نور الله تعالى من روحانيات يكرم الله تعالى بها عباده المخلصين. وله قصة طريفة في صلح بولاية بدية لما كان طالبا بالقابل حيث أرسله بعض من المشايخ ممن توسموا فيه الخير والصلاح للصلح بين متخاصمين حجريين.
ومما عرف به الإمام محمد بن عبد الله الخليلي منذ نعمومة أظفاره كرهه للتفرقة الطائفية وما ينجر عنها من أوكاس وأرجاس، وتخلف وتذمر وتدهور في مختلف الميادين، فقد كان يرفض كل ما من شأنه أن يلبق نار الطائفية أو يشعل أوارها، وقد رويت في ذلك قصص واحداث كثيرة تبين منهج الأمام الخليلي في ذلك، حيث طلب منه مرَّة أن يقدم سلاحه لمحاربة طائفة معينة من طوائف عمان آنذاك، فقيل إنه أفسد سلاحه عمدا حتى لا يؤخذ ويستعان به في قتل الأبرياء، لفتنة طائفية ثبت إثمها بالقرآن، وقيل إنهم أخذوا منه سلاحه ولكن لما أرجعوه إليه أبى أن يستلمه قائلا: لم أكن لأستلم سلاحا شارك في إراقة دماء المسلمين بغير حق أو فيما معناه.من خلال هذه القصة وغيرها كثير نستنج أمورا عديدة منها:
1- فقه الإمام محمد بن عبد الله الخليلي مذ كان يافعا بأحكام الجهاد وما شابهها.
2- رغبته الشديدة في نبذ كل دواعي الفرقة والتخلف والهوان.
3- الدعوة إلى الوحدة التي بها يتقوى المسلمون ويشتد ساعدهم على عدو الدين.
4- رؤيته المقصدية في الحفاظ على النفس التي ستقيم دين الله تعالى حينما أتلف سلاحه مقدما حفظ النفس على المال لأن التفق (البندقية) مال ومن واجب المسلم الحفاظ على ماله فلما تعارضت مصلحتان رجَّح مقصد حفظ النفس.
5- بعد نظره ورؤيته الثاقبة في تقدير الأمور حيث لو لم يدع إلى الصلح في قضية الحبوس وبني رواحة ربما اشتعلت الحرب سنوات، ولتحمل إثم ذلك بكونه مرشحا من أبيه لقيادة الحرب، لكن حكمته ودهاءه وتقواه قبل كل شيء جعلته يحول المعركة من معركة طائفية إلى جهاد في سبيل وحدة المسلمين فحقق الله تعالى له النصر والتمكين.
الوصف العام لكتاب الفتح الجليل من أجوبة الشيخ أبي خليل
يعد كتاب الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل كتابا فقهيا أو جامعا فقهيا مهما من جوامع الكتب الفقهية الإباضية، وهو عبارة عن مجموعة من أسئلة وأجوبة، للإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله تعالى، فقد جمعت فيه كثير من أجوبته التي كان يجيب بها السائلين، وهو كتاب قيم في بابه من عدّة جوانب:
1-تنوع المواضيع فيه وهذه طبيعة كتب الجوابات.
2-بساطة الأسلوب، وتركيز المادة العلمية.
3-وضوح المنهج المتبع.
4-عدم التكلف في عرض الجواب.
5-يعد مجموعا علميا لحاكم عادل رضي حكّم شرع الله سبحانه وتعالى، فهو عالم ديني وإمام من أئمة المسلمين.
طبع الكتاب بإشراف عز الدين التنوخي، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، سنة 1358هجرية 1965 ميلادية، بالمطبعة العمومية بدمشق، حيث تشرف الشيخ سالم بن حمد الحارثي بطبعه على نفقته.
يقع هذا السفر المهم في (844) صفحة من الحجم المتوسط، صنف الكتاب على الطريقة القديمة المعروفة في مصنَّفات المذهب الإباضي حيث بدأ الكتاب بباب العقيدة، وقبل ذلك كانت هنالك مجموعة من الرسائل المهمة الرائعة في باب الحكم والسياسة والتي تصلح أن تكون عبارة عن دساتير للحكام وولاة الأمور، لما تحويه من بديع الوعظ وحسن الإرشاد، والتوجيه، وكل هذه الرسائل كانت عبارة عن مراسلات للإمام الخليلي لعدة طوائف وجهات، يبين أمرا، ويحل مشكلا، ويوضح مسألة، ويعين واليا ويساعد في صلح، ويستفسر عن قضية، في أسلوب رائق مشبع بروح الشريعة الإسلامية التي كانت تجري من الإمام مجرى الدم في العروق، وبعد هذه الرسائل، يأتي باب خاص بمسائل العقيدة أو ما يسمى بأصول الدين، من الصفحة (79) إلى الصفحة (145). حيث جمعت كل المسائل المتعلقة بهذا الجانب مثل: السؤال عن الفتن آخر الزمن، والتكليف بالمحال، وأسئلة تتعلق بالولاية والبراء، وعن الرؤية وغيرها، وفيها أسئلة مهمة ورسائل من القطب محمد بن يوسف اطفيش.
كما نجد بابا خاصا بتفسير بعض الآيات القرآنية ليأتي بعد ذلك باب الطهارات حيث صفت فيه الأسئلة والأجوبة المتعلقة بفروع هذه المسائل، ليعقبه كتاب الصلاة الذي شمل ما يتعلق بمسائل الصلاة إضافة إلى باب السنن النوافل والذي يعد في الحقيقة امتدادا له، بالإضافة إلى باب الجنائز وما يتعلق به من بعض الأحكام، وهكذا صنّف الكتاب بالتبع:
1-باب في الصيام وفطرة الأبدان.
2- باب في الأيمان والنذور والكفارات.
3- باب في الحج.
4- باب في الزكاة والأشربة.
5- كتاب النكاح وهو يضم عدة أبواب:
أ- باب في الطلاق والخلع.
ب- باب في المعاشرة والنفقات والعدد.
ت- باب في أحكام الأولاد والمماليك.
ث- باب في المواريث والقسمة.
ج- باب في الغائب والمفقود.
ح- باب في الوصايا.
6- باب في البيوع والشفع.
7- باب في الوكيل.
8- باب في الإجارات والضمانات.
9- باب في الديون والحقوق والرهون.
10- باب في الأنهار والنخل والمنازل والطرق ورفع الأحداث.
11- باب في الأموال المجهولة والأوقاف والرموم.
12- باب في الدعاوى والأحكام.
13- باب في الأئمة.
14- باب في شيء من عهوده رضي الله عنه.
15- باب في الجنايات والحدود والبغاة وأنواع الدماء.
16- باب في السنن والآداب والمعاصي والتوبة.
واختتم هذا السفر القيم ببعض قصائد للشيخ سعيد بن خلفان الخليلي رحمه الله تعالى.
والجدير بالذكر أن الكتاب يحتاج لمزيد من تحقيق ما ورد فيه من مسائل بل والتعليق عليها لأهمية الكتاب من جهة وتمكن مؤلفه من جهة أخرى، كما أن به مسائل عديدة تحتاج إلى تأصيل دقيق وعميق ليكون في متناول طلبة العلم لتتم الاستفادة منه بعد فهم مقصود الشيخ الإمام في كثير من المسائل التي قد يظن طالب العلم أن الإمام سهى فيها.