المرأة في السنة: تعمير الكون قائم على الجنسين

إن تعمير الكون كما أراده الله قائم على وجود الذكر والأنثى من كل نوع في الإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك مما وصل إليه العلم وما لم يصل إليه بل إن ذلك من مظاهر القدرة والحكمة {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}. {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعملون} وكل من الذكر والأنثى له فضله ودوره الذي أناطه الله به في حفظ النوع وقيام الأسرة وتعمير الأرض، فلا فضل لأحدهما على الآخر راجعا إلى أصل الخلقة، وإنما فضل الإنسان في عمله وعقيدته.

ويقول الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه «إلى الشباب في الدين والحياة»: إنه من أجل هذا حمل الإسلام حملة عنيفة على الذين يفرقون بين الذكر والأنثى في الحب والمعاملة، وينظرون إلى البنت نظرة سيئة تحملهم على إهانتها وسوء معاملتها، واعتبر ذلك خروجاً على سنة العدل.

يقول تعالى عن هؤلاء يحكي حالهم السيئة: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}. ويهجم الإسلام هجوماً مضاداً على العقلية التي تكره البنت وتنظر إليها نظرة إهانة أو إهمال، فيولي تربية البنات والعناية بهن رعاية خاصة – مع رعايته العامة لتربية الأولاد عموما. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها، ورباها فأحسن تربيتها، وأذاها فأحسن غذاءها كانت له وقاية من النار). وهذه عناية خاصة من الرسول بالبنت ليقضي على ما تعوده الجهلاء من الناس – من إهمال تربيتها والعناية بها.

ومن هذا القبيل أيضا ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم من فضل خاص للأمهات على الآباء حين يقول: (الجنة تحت أقدام الأمهات) وحين جاء رجل يسأله عن أحق الناس بحسن صحابته فيقول له: (أمك) ويعاود الرجل سؤاله ثم من؟ فيقول له (أمك) ويكرر التوصية بها ثلاث مرات، ثم يقول له في المرة الرابعة (ثم: أبوك) وفي هذا تكريم للأمومة وهو دور البنت إذا كبرت، وبذلك يشمل الإسلام الأنثى بعناية خاصة في صغرها وفي كبرها.

وأصرح من هذا واعم قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ساقه في شكل قاعدة عامة لأمته حين قال: (ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم).

(وفي هذه إثارة لنخوة الرجال ومروءتهم إلى ما يحبون: فمن من الرجال لا يجب أن يكون كريما عند الناس وعند الله، ومن منهم يقبل أن يكون لئيما؟ إن ميزان الكرم أو اللوم هو طريقة معاملته للنساء.

ثم يقرر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في ثوب آخر فيقول:

(أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم).

ولم ينس الرسول وهو في حجة الوداع حين قام يحدث صحابته حديثه المركز الجامع لم ينس المرأة بل خصها بعنايته وأوصاهم بحسن معاملتها. فقال لهم: (ألا فاستوصوا بالنساء خيرا).

تلك هي الخطوط أو المبادئ العامة لعناية الإسلام بالمرأة، وحسن رعايته وتكريمه لها، وعلى هذه المبادئ قامت التشريعات التفصيلية الخاصة بها، ولقد كانت هذه المبادئ والتشريعات وستظل خير ما كفلته الشرائع والقوانين من إنصاف ورعاية وتكريم، وليت المرأة المسلمة التي يبدو من بعضهن التمرد تعرف نفسية المرأة الغربية وما أصابها من تمزق، بل ما أصاب الأسرة نفسها من هذا التمزق نتيجة الحياة المادية التي تطغى روابطها على كل الروابط، ولقد قرأت لغربيات يبدين فيما كتبن غيرتهم من المرأة الشرقية المسلمة التي يحيطها الرجل بكل عنايته وغيرته، ويتمنين أن يعشن في كنف مثل هذه العناية والغيرة. وإذا كانت هناك أشياء تشكو منها المرأة فلتحتكم للإسلام فإنه لا شك منصفها.

ويشير الإمام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتاب «المرأة في الإسلام» أن الكل سواء في سباق الفضائل والحق أن المرأة العربية في الجاهلية الأولى برزت شمائلها الحسان في ميادين كثيرة أيام الحرب وأيام السلم على سواء، ولم توضع أمامها العوائق التي وضعت أمام المسلمات في عصور الانحطاط العام للأمة الإسلامية.

وفي صدر الإسلام استطاعت امرأة من الخوارج أن تقود جيشا يهزم الحجاج ويحصره في قصره ويتركه وهو مذعور، حتى عيره أحد الشعراء على هذا الموقف المخزي بقوله:


أسد عليَّ وفي الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر!

هلا برزت إلى غزالة في الوغي

بل كان قلبك في جناحي طائر


أما في العهود الإسلامية الأخيرة فإن المرأة ما كانت تدري وراء جدران بيتها شيئاً وعندما غلبتنا حضارة الغرب المنتصر كان هم المرأة أن تقلد في الثبوت الرشيق والمنظر الأنيق! أما في غزو الفضاء واكتشاف الذرة ودراسة النفوس والآفاق فإن الأمر لا يستحق الاكتراث، لأنه ليس من شأنها ولا من رسالتها!!

إن الإسلام لا يقيم – في سباق الفضائل – وزنا لصفات الذكورة والأنوثة، فالكل سواء في العقائد والعبادات والأخلاق، الكل سواء في مجال العلم والعمل والجد والاجتهاد.

لا خشونة الرجل تهب له فضلا من تقوىن ولا نعومة المرأة تنقصها حظا من إحسان.

وفي القرآن الكريم {… من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.

وفي عالم الرياضة اليوم يفصل بين مباريات الرجال والنساء، وتوضع مسافات وأرقام لكلا الجنسين على حدة، ربما صح هذا في دنيا الألعاب لكنه مستحيل في سباق الصالحات، وكسب الآخرة، ربما تقدمت امرأة فسبقت ذوي اللحى دون حرج وربما تأخرت ولو كانت قرينة أحد الأنبياء، ولذلك قلنا: امرأة فرعون خير منه، ومريم أشرف من رجال كثيرين، ونوح ولوط خير من زوجاتهم!!

وأذكر أن أحد الناس قال لي: إن القرآن يرجح الذكورة على الأنوثة! ويسوق لزعمه قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} وهو فهم أعوج!

فالجملة القرآنية وردت على لسان امرأة عمران التي كانت حاملا، وظنت أنها ستلد رجلا يكون سادنا للمسجد الأقصى وقائدا للعابدين والدارسين فيهن فلما فوجئت بإخلاف ظنها وأنها ولدت أنثى، قالت هذه الكلمة لأن المرأة لا تصلح لهذه القيادة بطبيعتها.

وقد قبلت الأمر الواقع لأنه مراد الله! ودعت لابنتها ولذريتها بالصيانة والرعاية فاستجاب الله الدعاء بأن أعلى قدر المولودة فوق ألوف مؤلفة من البشر، وأعلى قدر ابنها فجعله من الأنبياء أولي العزم.

ولا شك أن هناك وظائف تخص النساء وأخرى تخص الرجال، ولا علاقة لهذه التخصصات بموازين العدل أو الفصل الإلهي.