«أحمد» يبلغ من العمر 13 عاما يعيش مع أبوه وأمه وأخته الصغرى في قرية جميلة تنتشر فيها الخضرة والماء والهدوء والطبيعة الخلابة ويكثر فيها الخير والمحبة، فبعد انتهاء السنة الدراسية كان «أحمد» يقضى أوقات الإجازة في حفظ القرآن وشرح آياته، ولعب كرة القدم، ويساعد أباه في ري الأرض وحصد المحصول، والتمتع بالخضرة وركوب الخيل وقراءة القصص. يستيقظ كل فجر يصلي مع أبيه وأمه وأخته الصغرى ثم تقوم أمه بتحضير الإفطار المكون من الفطير والعسل الأبيض والقشدة والجبن والخضراوات. بعد تناول الإفطار يذهب إلى الحقل لمساعدة أبيه في الري والحرث. ثم يذهب للمشي في الهواء الطلق المنعش، وكان دائما يفكر في «يحيى» ابن عمه وكيف أنهما كانا صديقين وهما صغيران ولماذا لم يعد يزرهم ويسأل عنهم رغم أنه كان دائما يتصل به ففكر لماذا لا يتصل به ويدعوه لقضاء الإجازة معه.
وبالفعل اتصل «أحمد» بـ «يحيى» ودعاه إلى قضاء الإجازة وقبل وبعد ايام كانا معا في المنزل، وفى الصباح قررا الخروج معا إلى الحقول. وعندما حان موعد صلاة الظهر ذهبا الى المسجد ثم حضرا بعد الصلاة درسا كان عنوانه «صلة الرحم». بعد انتهاء الامام قام ولد صغير يدعى «محمود» وقال: إنه منذ صغره تعود الذهاب مع أبيه لزيارة أجداده وجداته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته في المناسبات وفي غير المناسبات، وذات مرة سأل أباه عن سبب هذه الزيارات المتكررة فأخبره بأن المؤمن لا بد له أن يصل رحمه، أي أقاربه جميعهم.
رد الشيخ وهو يبتسم: وتلا قول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [سورة محمد: الآيتان 22و23]. فمن يقطع صلة الرحم يرتكب ذنبا عظيما، فهو يفسد في الأرض، ويعذبه الله عذابا شديدا في الدنيا والآخرة.
سأل «يحيى» الشيخ: وهل لصلة الرحم ثواب، فقال الشيخ: ثوابها عظيم في الدنيا والآخرة لأن صلة الرحم من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
واصل الشيخ حديثه قائلا إن صلة الرحم تزيد في عمر الإنسان وتقيه ميتة السوء لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر، ويدفع بهما ميتة المكروه والمحذور».
وصلة الرحم أيضا يا أولادي تدخل صاحبها الجنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه حاسبه الله يسيرا وأدخله الجنة برحمته، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنة». وأضاف الشيخ: صلة الرحم تغفر الذنوب، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:أنى أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:» هل لك من أم؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها».
وبعد انتهاء الدرس، نادى الشيخ على «أحمد»، وأقعده بجانبه هو وضيفه وقال له من يكون هذا الولد، فقال: إنه ابن عمى، فاندهش الشيخ وقال: لم أره معك قبل ذلك. لماذا لا يأتي لزيارة قريته فهو ابن عمك، يعنى هذه القرية هي أصله ونسبه ورحمه، فاعتذر «يحيى» للشيخ وقال: نعم عندك حق أنا بالفعل مقصر في زيارة أقاربي ولا أصل الرحم وقد تعلمت من درس اليوم أشياء كثيرة. فرد «أحمد» وأنا أيضا مذنب لا أصل الرحم. فقال الشيخ: من اليوم يجب أن تكونا حريصين على تكرار الزيارات للأقارب، والدوام على صلة الرحم حتى يرضى الله عنكما ورسوله.