أحمد بن سالم الفلاحي -
Dreemlife11@yahoo.com -
تتكون اول مخاطر السقوط لجميعنا على اول مشارف الكلمات، ومتى استحكمت هذه الكلمات على مساحة كبيرة من خوالجنا، وتفكيرنا، وهواجسنا، وانفعالاتنا، كان ذلك اقرب الطرق الى مفهوم السقوط في قيعان الآبار المتهالكة حوافها بفعل الزمن، هذا الزمن الذي نراهن فيه على الكثير من الانجاز، او الكثير من ردم الثغرات، ولكن للأسف الشديد، “لا ننال بلح اليمن ولا عنب الشام”، كما يقال المثل.
واكثر ما يجد اللسان ترديده، او الحديث عنه هو ذلك القرب الاجتماعي الذي يربط صاحبه بمجموعة البشر الذين يتعامل معهم، والذين يتقاسم معه حلو الحياة ومرها، كما يقال، ولذلك عندما تحدث او شظية في هذه العلاقات القائمة بين الناس لسبب او لآخر، تنبري الالسن للصراخ والعويل، بالويل والثبور، وبالقيل والقال، وباختراع القصص، وبالبحث عن المثالب، والمناقص، والعيوب، حيث تتهاوى كل البناءات الاجتماعية التي ترسبت طوال عشرات السنين بين الناس، كما هو الحال في الجبال الرسوبية، عندما يتصدع تماسكها بفعل عوامل التعرية الطبيعية او البشرية احيانا، وهذا التنازل السريع عن هذا المكون الاجتماعي؛ يظل في كثير من الاحيان مبني على موقف سخيف، او مصادفة عمياء لا تحتاج – في الاساس كله – الى هذا التهويل في استحضار كل الارصدة من الخلافات التي طواها الزمن عبر مسيرته، وهذا كله انعكاس لاحساس الانسان بالخسران، كما يبدو، فكل منا يضم ما بين دواخل نفسه انه صاحب فضل على آخرين من حوله، وهذا الشعور هو الذي يأزم المواقف، وهو الذي ينغص حيواتنا في كثير من الاحيان، ولو استطعنا استبدال هذا الشعور بشعور آخر اقل حدة وهو ما ما نقوم به هو من قبيل الواجب الانساني ربما لن نصل الى ارهاصات الشعور بأفضليتنا على الآخرين، لأن صاحب الفضل هو الله سبحانه وتعالى، ونحن بنو البشر نقتفي اثر هذا الفضل من الله علينا، وبالتالي ما نقوم به تجاه الآخرين، ان سنحت لنا الفرصة بالقيام بذلك، فهو لا يخرج عن كون ذلك أمانة، وعلينا ان نوصل هذه الأمانة الى اصحابها، في اي موقع نكون، آباء، مسؤولين، منظرين، داعين، قادة رأي، ولنقر يقينا حقيقة مخفية وهي المتمثلة في العباة التي تقول: “ ﻻ ﺗﺘﺄﻟﻢ ﺇﺫﺍ ﺃﻧﻜﺮ ﺍﺣﺪﻫﻢ ﻓﻀﻠﻚ ﻋﻠﻴﻪ ﻓـﺄﺿﻮﺍﺀ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﺗﻨﺴﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ”، وهنا اضيف اذا كانت اضواء الشوارع تنسى في النهار، فماذا نقول عن اشعة الشمس المنيرة التي تنير لنا الدروب المخفية طوال النهار، فاذا أتى الليل سعينا الى الاختباء اكثر، وبحثنا بكل جد عن كل شيء كان مفضوحا على امتداد شعة الشمس، لنمارس عبره غواياتنا المختلفة، ومع ذلك فمع اول بزوغ لأشعة شمس يوم جديد، تكون الالسنة قد سنت للبوح عما اقترفته الاجسام طوال ليل حالك، حيث تنثر هي الاخرى فضائح النفوس.
المراهنة القائمة بين الالسن والانفس على ايهم الاكثر قدرة على الصمت، او التحفظ مراهنة يظل فيها فضل السبق للأنفس اكثر منها للألسن، ولعل هذا ما يشفع للانسان للبقاء على شيء ما يجب ان يكون مخفيا، وان كان هذا المخفي كثيرا ما يتعرض للاختراق للطبيعة البشرية المجبولة على البوح اكثر منه على الصمت، ولذلك قيل: “الصمت حكمة وقليل فاعله”، لذلك نحن مهوسون جدا بالكلام اكثر مما نحتاج اليه، حيث تمثل الشكوى اكثر مناخات هذا الكلام، نشتكي من كل شيء، ونأزم انفسنا اكثر مما ينبغي انعكاسا لهذا الاسترسال المستمر في الكلام، وننسى في زحمة هذه البيئة الكلامية عندما نتطرق في الشكوى الى “قلة الرزق وقلة الحظ وسوء الحياة” على سبيل المثال، أن “خزائننا مليئة وغنيّة، ولكننا نفتقدوا مفاتيح كنوزها؛ وهي: التفاؤل والصبر والإيمان”.