لعدم التزام الكل بالمعايير العلمية والمهنية –
تحقيق: نايف بن علي المعمري –
رغم أنها هدية بسيطة لا تكاد تُذكر مقارنة بالجهد الحثيث الذي يبذله الموظف المُجيد، حيث لا يخرج الحديث عنها كونها شهادة تقدير فقط مصحوبة بجهاز الآيباد، إلا أنها تعني الشيء الكثير عند الموظف المُجيد، وخصوصا ذلك التوقيع من لدن معالي الوزير في الشهادة الممنوحة، والذي هو بمثابة اعتراف وشهادة بإجادة ذلك الموظف نظير عمله وجهده الفاني في المؤسسة.
إن المُطلع على معايير ترشيح الموظف المُجيد للتكريم في بعض استمارات طلب الترشح لها والتي تقيمها كثير من الوحدات الحكومية والخاصة ضمن الاحتفالات السنوية لتكريم الموظفين المجيدين، يجد أن معظمها أعدت وصيغت لأجل الموظف المجتهد فعليا في عمله، فعلى سبيل المثال لتلك المعايير، هو أن يتمتع الموظف بسلوك متميز، وأن يقدم أفكارًا ومبادرات وإبداعات وابتكارات جديدة في عمله، وأن يستفيد من الموارد المتاحة، إلى جانب حرصه على تقديم خدمات متميزة، ويسعى إلى الارتقاء بالعمل نحو الأفضل، وغيرها، إلا أن هناك أسبابا واهية طرأت على طريقة ترشيح الموظف المُجيد، ولا نبالغ إن قلنا أن الكثير من المؤسسات ضربت بتلك المعايير عرض الحائط، فصارت ترشح وتختار وفق ما يُملي عليها هواها، فصار المسؤولون يتخبطون في اختيار الموظف المثالي للتكريم.لا ننكر أن الموظفين على اختلاف تنوع مسمياتهم الوظيفية، فهم يتفاوتون فيما ينجزونه من أعمال، فهم بين الجيد والضعيف في أداء العمل، وحيث أن القصد الرئيسي من تكريم الموظف المجيد هو استمرار عطائه بشكل متميز، ما يضمن الإنتاجية الجيدة في العمل، ويشجع أقرانه على المنافسة وبذل مزيد من العطاء، إلا أنه ومن جانب أخر فإن الكثيرين من الموظفين غير راضين حول طريقة اختيار الموظف المجيد لدواعي كما ذكرناها سابقا.
تشجيع الموظف الجديد
في البداية التقينا محمد بن سيف بن محمد الجهوري الذي أعرب عن استيائه من هذا الموضوع، ويؤكد أن هناك عشوائية في اختيار الموظف المجيد للجائزة السنوية التي تقيمها الوحدات التابعة للخدمة المدنية، حيث يقول: أنا موظف منذ أربع عشرة سنة ولا أذكر أنني في سنة من السنوات نلت تكريما كموظف مُجيد على الرغم مما بذلته من إنجاز، إلى جانب اعتماد القسم عليّ في إنجاز الكثير من الأعمال الفنية، حيث إن القسم لم يكن فيه إلا اثنان، ومع ذلك تم تقديم وتكريم الموظفين الجدد الذين لم يكملوا سنة واحدة منذ التحاقهم، مع أننا نحن من قمنا بتدريبهم وتعليمهم طبيعة أعمالهم، وعندما توجهنا بالسؤال للمسؤول رد علنا أن ذلك من باب التشجيع والتحفيز لهم نحو بذل مزيد من الجهد كموظفين جدد، وكأننا نحن لسنا بموظفين أو أننا لا نشعر بقيمة ذلك التكريم أو لا يهمنا، كوننا قضينا مدة طويلة في العمل نفسه.
ويضيف محمد الجهوري: هذه مشكلة إن كان المسؤول يركز على أن جائزة الموظف المجيد ممكن استغلالها في تشجيع الموظف الجديد بغض النظر عن أدائه وتقييمه من قبل من هم دربوه على طبيعة عمله، ثم أن الموظف الجديد لا بد أن يمر بمراحل عدة حتى يتقن العمل ويصبح موظفا مجيدا، فهذا يتعارض مع ترشيحه للتكريم من أول وهلة.
الأسباب
أما سعيد بن جمعان المعولي، وبالرغم أنه تم تكريمه سابقا وحصوله على موظف مجيد، إلا أنه يؤكد أن طريقة ترشيح الموظف المجيد لا تتم بطريقة علمية ولا تتبع فيها معايير علمية ومهنية، وليست موضوعية في الغالب، إلى جانب اتباع المصالح والأهواء فيها، وتغلب عليها المحسوبية، بحيث يتم فيها تجاهل المستحقين والمجيدين أحيانا تعمدا وأحيانا بحجة أنه كرم في العام الماضي أو نال حقه قبل ذلك، مع العلم أن عمله لم يتغير وعزيمته لم تفتر وربما هو أميز أقرانه كل عام. ويستطرد سعيد المعولي قائلا: لكن مع الإشارة أنه ليس كل الإدارات تعمل بهذه الطريقة فهناك منصفون ويراعون حقوق الموظفين، فأعتقد أن هناك آليات أيضا في اختيار الأفضل من بين الأفضل في الأداء وإنجاز العمل من الموظفين حتى وإن كانوا يعملون كلهم على وتيرة واحدة من بذل الجهد، فإن كان الموظف المجيد ممن سبق له التكريم ما زال هو الأفضل في كل عام فإنه أيضا يحق له التكريم مرة ثانية وثالثة وغيرها، لاستمرارية جهوده وعطائه بشكل أفضل أداء وإنجازا من زملائه، فالجائزة تهدف إلى تكريم هذا الموظف المجيد بعينه والذي هو مميز عن أقرانه، لا أن يكرم غيره بدعوى أنه تم تكريمه سابقا ولا يحق له التكريم مرة ثانية، هذه أسباب ليس لها من الأمر شيء، وهذه المدعاة هي ممكنة التطبيق في جوائز أخرى في غير تكريم الموظف المُجيد.
أسباب واهية
ويضيف سعيد المعولي: إن هناك أسبابا أخرى جعلت الترشح لهذا التكريم يخلو نوعا ما من المصداقية، وهي الادعاء بأن الموظف الذي تم ترشيحه، وعلى الرغم من أنه ليس مجيدا، إلا أنه موظف قديم ولم يتم ترشيحه من قبل لهذا التكريم، أو أنه مسؤول تم تنصيبه حديثا للقيام بمهام القسم أو الدائرة، أو أنه صاحب درجة مالية متقدمة، فيعمد من هو مسؤول عنه بترشيحه لنيل هذا التكريم مستغلا طلبات الترشح حول الموظف المجيد التي ترد إلى المؤسسة التي يديرها، فكل ذلك هي أسباب واهية لا صلة لها بالموظف المجيد لا من قريب ولا من بعيد.
المعلم بعيد
أما عبدالله بن سالم البحري فيقول: للأسف لا يوجد معيار حقيقي يستند عليه الاختيار للموظف، فهذا المعلم في المدرسة بعيدا عن اختياره للتكريم على أنه موظف مجيد، وكأن هذا التكريم لا يشمل المعلمين، ففي حين نجد موظفا يكرم في سبع سنوات مرتين، بينما موظف آخر كالمعلم يقضي ردحا من الزمن في وظيفته لم يعرف منصة تكريم أو حتى رسالة شكر وعرفان سوى ما يتم تكريمه على مستوى إدارة المدرسة.
ويضيف عبدالله البحري قائلا: والشخص المتأمل لآلية التكريم تجدها أيضا تضيع ما بين انتقالات الموظف من مكان إلى آخر، فتجده يبدأ من جديد لكسب الثقة مع مسؤول آخر يختلف عن سابقه، كذلك الأهواء الشخصية للمسؤولين قد تجد لها مكانا في اختيار الموظف المجيد.
غياب الشفافية
ويستطرد عبدالله البحري بالقول: والسؤال الذي يتبادر الى ذهني لماذا لا توجد شفافية مع الموظفين في اختيار الموظف المراد تكريمه، فلماذا هذا الأمر يكون في غاية من السرية التامة، بحيث لا تسمع عن اختيار الموظف المجيد إلا يوم حفل التكريم فقط، هل لأن المسؤول يعلم ان هناك من هو أحق بالتكريم ممن اختار، أم أنه وضع أمام خيار أفضلهما مر وهو اختار موظفا مجيدا واحدا فقط مهما تعدد المجيدين عندك، ولا تناقش لترى في النقيض أن دائرة أو وزارة أخرى تكرم موظفين بأعداد كثيرة، فيما يطلب من بعض الدوائر فقط ترشيح واحد لا غير، بحيث يبقى المجيدون من أمثاله في الدائرة نفسها يتأملون ولسان حالهم يقول تكريمنا عند الله.
إعادة نظر
في ضوء ما طرحناه من آراء في هذا الاستطلاع، إلى جانب استنفار لما يحدث في الاحتفال السنوي بيوم المعلم على مستوى الوزارة، حيث تجد هناك زخما بالموظفين الإداريين والفنيين والمشرفين يتم تكريمهم باحتفال بيوم المعلم مع أنه احتفال خاص بالمعلم، فيما لا تجد عند تكريم الموظف المجيد على مستوى الوزارة نفسها معلما واحدا يتم ترشيحه لهذه الجائزة.
وعلى أي حال يجب إعادة النظر وبطريقة عاجلة ليس في المعايير والأسس المعمولة في استمارات طلب الترشح، وإنما في طريقة ترشيح الموظف المُجيد، التي تدخلها الأهواء والمحسوبية، ولا يتم ذلك إلا من خلال التعميم على جميع الوحدات والدوائر والمؤسسات، بل يمكن أن يتم ذلك تحت إشراف فرق أو لجان محايدة، لضمان حقوق الموظفين المجيدين والارتقاء بهم للعطاء بشكل أفضل وأفضل.