محمد الشحري –
أصبحت الندوات والمؤتمرات في السلطنة مواد إخبارية للصحف وللنشرات المحلية وتدوينات وسائل الاتصال الاجتماعي، فما إن تختتم ندوة حتى تبدأ أخرى بتدشين ضخم وحضور كبير من المسؤولين والمعنين، وهكذا دواليك، ويؤشر ذلك على بداية التركيز على سياحة المؤتمرات والندوات كنشاط يساهم في تحريك الساحة المحلية وتكليف بعض المؤسسات بإقامة فعاليات قبل انتهاء السنة المالية، وفي الحقيقة فإن التركيز على استقطاب المؤتمرات الدولية وإقامة الندوات الوطنية تندرج في قائمة الترويج للسلطنة، وهو هدف سامٍ تسعى العديد من الجهات الحكومة إلى تحقيقه، لكنه يمكن الترويج للسلطنة ومناخها الاستثماري وجذب الأنظار إليها بوسائط أخرى أقل تكلفة وأكثر نفعا، أما السؤال الذي يطرحه العديد من المتابعين للشأن الداخلي، هو ماذا تحقق بعد الندوات وما هي التوصيات التي نُفِّذت بعد أن تختتم المناسبة؟.
وحتى نكون أكثر شفافية نقول، ونحن نشهد اختتام ندوة «التعليم في عُمان الطريق إلى المستقبل» التي نظمها مجلس التعليم، أين التوصيات التي خرجت بها الندوة، وما هي الجهات المعنية بتنفيذها والمدة الزمنية المحددة لتنفيذ الأنشطة التي تحقق الأهداف المنشودة ضمن الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالتعليم المحدد لتطور البلد وتقدمه في كافة المستويات وفي مختلف المجالات، ثم نتساءل عن توصيات ندوة «التعليم وكفايات القرن الحادي والعشرين»، التي نظمتها وزارة التربية والتعليم، ومر على إقامتها أكثر من عام، وكنا نأمل أن نجد ورقة ضمن محاور ندوة هذا العام، تتحدث عن تنفيذ التوصيات التي خرجت بها ندوة العام الماضي، أو حتى الإشارة إلى الندوة المذكورة والبناء عليها، مما يوحي لنا بأن الحدث وزخمه يطغيان على المضمون، وأهمية إقامة الفعالية مقدمة على أي اعتبارات تربوية وتعليمية أخرى، وقد لا نستغرب أن نسمع عن الإعلان والاستعداد لندوة تعليمية أخرى في العام المقبل، وهكذا ندور في فلك الندوات والمؤتمرات، أما بعد ذلك فلكل حادثة حديث.
إننا نرى أن إقامة ندوات عن التعليم في بداية كل عام دراسي أو أكاديمي يؤثر سلباً على التعليم، حيث ستسعى كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة القوى العاملة لإنجاح الفعالية دون التركيز على العمل الميداني التربوي والتعليمي المنفذين على مقاعد الدراسة في المدارس وفي الكليات، ولهذا كان من الممكن إقامة هذه الندوات في الإجازات المدرسية حتى لا تتأثر الأطراف المعنية بالتعليم والتدريس بغياب الكادر التدريسي والتعليمي، أو تكليف كل جهة بطرح رؤية لتطوير التعليم المعنية به، دون الاعتماد على دراسات البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، اللذان يعملان على تطبيق سياساتهما عبر الدراسات الاستشارية لإنجاح خططهما المستقبلية بالاستحواذ على مقدرات العالم الثالث.
إننا نتطلع إلى صدور قانون التعليم المدرسي وقانون التعليم العالي، ونبني عليه الآمال ليكون القاطرة التي تسرّع بتطور التعليم في السلطنة، ونأمل كما كتبنا في أكثر من مناسبة أن تخرج وظائف التعليم عن قانون الخدمة المدنية، وأن تكون وظيفة المعلم هي التدريس دون أن يكلف بأعباء إدارية أو تقييده بالحضور في المدرسة في حالة لم تكن لديه حصة، وأن يعمل بهذه الوظائف الإدارية المدرسية موظفين إداريين، وهذه الوظائف ستفتح المجال لتوظيف أعداد كبيرة من المواطنين الباحثين عن العمل.
إن الهدف من إقامة الندوات والمؤتمرات هو البحث عن حلول للعديد من القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، ولهذا نقترح أن تقام ندوات تطرح إشكالية التأخر في تنفيذ التوصيات أو العمل بها ضمن الخطط التنموية الوطنية أو القيام بدراسة تبين المردود المادي والمعنوي للندوات على العنصر البشري وعلى الإدارة وسير العمل، كما نتمنى من جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، تقييم الندوات والمؤتمرات التي بلا شك تستنزف أموالاً ضخمة من المال العام، ونشر هذه الدراسات حتى نصبح على بينة من جدوى الندوات.