الحاجة إلى تكاتف الجهود لمحاربة الإرهاب

خالد بن أحمد الأغبري –

alsaif_335@hotmail.com –


الإرهاب جملة من السلوك والأفعال اللا إنسانية تتقاسمها مجموعة من البشر بأشكال مختلفة من الأعمال التي تؤدي الى جوانب كثيرة من الصراعات البينية حيث إنها تتطور من خلال تطور الآليات والمفاهيم الهدامة التي تصارع ذلك الإنسان في كل خطوة يخطوها من أجل بناء مستقبله المادي والمعنوي بحسب الوسائل والغايات التي يرى فيها تحقيق طموحاته ورغباته وتطلعاته، وبالتالي فإن هذا الصراع قد يقوده إلى التحكم في مسار حياته بتلك العقلية المتزنة الراجحة التي يتخذ معها القرارات الصائبة وقد يقوده الى ممارسة الجريمة والحقد والتعسف في اتخاذ قراراته التي تؤدي في المقابل إلى الكثير من التصرفات الخاطئة بشكل أو بآخر وعندما ننظر إلى واقع الحياة منذ النشأة الأولى لخلق الإنسان دخل هذا الإنسان في صراع أبدي مع نفسه بخلق أنواع شتى من الإرهاب الفكري والمادي الذي تمخض عنه حب الذات وتربية النفس على الأنانية والكراهية والحقد وهو ما ينعكس على طبيعة العلاقات الإنسانية والأخذ بها إلى تيارات متنافسة وغير مستقرة في مواقفها. مثلما انعكس ذلك على علاقة الأخوين الشقيقين قابيل وهابيل ابني سيدنا آدم عليه السلام اللذين أراد الله لهما أن يكونا منطلقا لتأسيس حياة جديدة من حيث عبادة الخالق جلت قدرته وعمارة الأرض ونشر مظلة السلام والوئام في مختلف ربوع المعمورة لكن أحدهما استطاع بحقده وأنانيته أن يؤسس نظام هذا الإرهاب بالكيفية التي كانت تمثل القاسم المشترك فيما بينه وبين عدوه اللدود الذي أخرج أبويه من الجنة في صورة مغايرة لنظام الحياة الكونية ففعل فعلته تلك ليكون بداية لتضامن هذا الإنسان مع عدوه الشيطان ويكونا لهما معاهدة دموية جريئة ومتجردة من أخلاقيات الشريعة الإلهية التي خلق الله الإنسان من إجلها.

ولما أن بعث الله الأنبياء والرسل من أجل توجيه وتعليم الناس وإرشادهم إلى طريق الحق والاستقامة وجد هؤلاء الأنبياء والرسل تحديا كبيرا من أقوامهم وكانت مواقفهم معادية لهم رغم الأدلة الواضحة والآيات البينة التي واجهوهم بها إلا أنهم أصروا على كفرهم والانحراف عن جادة الصواب إلا من رحم ربي وما زالت المعركة تدور رحاها بين أنصار الحق وأنصار الباطل ليس لكون الباطل أكثر قوة وأكثر عدة وعتادا وأكثر منعة إلا أن أنصار الحق وللأسف الشديد أكثرهم يقاتلون من أجل الهوية وليس من أجل العقيدة فالقتال من أجل العقيدة يتطلب الكثير من الأخلاقيات والمبادئ الحميدة الفاعلة التي يتوجب على الإنسان المسلم التمسك بها والعمل من خلالها بحيث تكون راسخة في وجدانه متفاعلة مع تصرفاته مستمدة قوتها من شريعته وعقيدته.

وما يشهده العالم خلال هذه المرحلة هو انعكاس طبيعي لتلك الحالة الفوضوية التي ينتهجها الإنسان في تصرفاته والتعامل من خلالها مع مكونات الحياة والتلاعب بمشاعر الآخرين واستفزازهم من أجل التحكم في مصالحهم وتقييد حريتهم مما يجعلهم يخوضون هذه المعارك الدموية دون حسيب أو رقيب، ومما لاشك فيه أن قيام هذه المنظمات الإرهابية والتي من بينها منظمة الدولة اللاإسلامية كما وصفها معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي وهو وصف جدير بالاهتمام والاحترام.. فهذه المنظمات لم تأت من فراغ وإنما تمت صناعتها وتربيتها لتكون سرطانا متفاعلا في دماء أبناء الأمة الإسلامية حتى يتم القضاء عليهم بأموالهم وعتادهم وسواعد شبابهم وتنتهك حرماتهم وصولا بهم إلى الغاية المنشودة التي أطرت ضمن أهداف واستراتيجيات الدول الاستعمارية والتي من شأنها تحريك هذه اللعبة بأطراف أناملها وتبعث بها من خلال رسائلها المشفرة فيما بينها بجانب سعيها المتواصل من أجل تعميق الجراح بين أطياف ومذاهب الدول الإسلامية لتدخل طواعية ضمن ذلك المسلسل المدبلج والمستنقع الدموي المحموم وقد جعلت منها ووجهتها بأن تقوم بدور عدوها في تمزيق وحدتها وشتات أمرها والسير بها خلف مفاهيم ونظريات عقيمة غير قابلة للتطور بقدر ما هي مدعاة للطرف والغلو في الكثير من الجوانب التي تتسبب في إعاقة مستقبل هذه الأمة والأخذ بها إلى تصفية حسابات وانتهاك حرمات دون الإحساس أو الشعور بما يصاحب ذلك من آثار سلبية على حساب مبادئ هذه الأمة وعقيدتها السمحة.

وفي اعتقادي وتصوري المتواضع بأنه قد حان الوقت بأن تتحرر الدو ل الإسلامية من التقليد الأعمى ومتابعة هوى النفس والاستسلام لواقع الحال وإنما يتوجب عليها بأن ترسم لنفسها خريطة طريق واضحة المعالم تهدف إلى قيام ذلك االتعاون المتكامل الذي يعزز من مكانتها وقدراتها على مواجة كافة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية وذلك على غرار الاتحاد الأوربي مثلا بحيث تنتهج فيه هذه الأمة نهجا متوزانا وعادلا تراعي من خلاله جميع القيم والضوابط التي تهدف إلى تحقيق تطلعات أبناء الأمة وتحفظ لهم كرامتهم ومكانتهم في مختلف جوانب الحياة وعلى كافة الأصعدة وهذا بلا ريب حلم بعيد المنال ما لم يكن هناك إخلاص في النية وإرادة قوية في التخلص من الأفكار المتحجرة القائمة على خلفية الفكر الجاهلي الذي كان سائدا ما قبل رسالة الإسلام والتي سعت بتوفيق من الله إلى توطيد العلاقة الأخوية بين أبناء الأمة وعملت على ترسيخ النهج القويم والذي هو الآخر ما كان له أن يستمر بحكم تأرجح الأفكار والمبادئ بل أصبح في المقابل يتلاشى بصورة متسارعة نتيجة ظهور التيارات المتناحرة على حب السلطة والوقوع في المحظور وعدم المبالاة في حقوق الآخرين.

وإذا كانت هذه المنظمات الإرهابية وجدت من يحتضنها ويدعمها من أجل سفك الدماء وترويع وترهيب الآمنين فإن هناك دولا قائمة على الإرهاب مدعومة من قبل دول تحارب الإرهاب فيا ترى ما هذا التباين في المواقف وما هذه النظرة المزدوجة التي تهيمن عليها المصالح، نسأل الله العافية والمعافاة الدائمة في الأولى والآخرة.