برلين «د.ب.ا»: – يهوى الألمان السفر، كما يريد الألمان أن يكونوا محبوبين، وبالتالي فإذا سافرت إلى عاصمتهم فسيحبونك، أليس كذلك ؟لا يمكن القول بذلك بالضبط، وهذا ما يفصح عنه فيلم وثائقي جديد يحلل ردود الأفعال المتعارضة لسكان برلين إزاء جحافل السياح القادمين لزيارة المدينة.
ومع شيوع الأنباء حول العالم حول جمال مدينة برلين، بدأ مزيد من الراغبين في المرح السفر إليها للاستمتاع بما تحفل به من تنوع وبفنادقها منخفضة التكلفة، وبالجولات التي تجوب مواقعها التاريخية والتي يرتبط الكثير منها بفترتي النازية والشيوعية.
ووفقا لتقديرات نانا ريبان وهي مخرجة الفيلم الوثائقي وتبلغ من العمر 35 عاما فقد بلغ عدد الليالي السياحية في برلين العام الماضي 50 مليون ليلة، وتوضح أنه في حالة إضافة عدد الألمان الذين يأتون من مختلف الولايات لزيارة برلين في رحلات اليوم الواحد، يكون إجمالي عدد زوار برلين 500 ألف زائر يوميا.
ويصور الفيلم الذي يحمل اسم « مرحبا، وداعا « ويعرض في دور السينما المتخصصة في الفنون ببرلين، السكان المتذمرين في حي كريزبرج الذي يجمع بين المظهر البائس وبين الأناقة، ويعد القطب الجاذب لكل محب للمرح، وهم يعبرون عن غضبهم إزاء حشود الزوار المبتهجين.
وكما يوضح الفيلم فإن هذا الاستياء ليس ناجما عن نقص في المشاعر الإنسانية، وإنما المسألة تتعلق بمجرد مشاعر الضيق التي تنتاب السكان المحليين الذين لا يحبون حدوث تغيير في أنماط حياتهم بالأحياء التي يعيشون فيها، ويشكو البعض من قيام الزوار بشكل مستمر بالتقاط الصور التذكارية في الشوارع، ويقول السكان إن الحال ينتهي بهم إلى الشعور بأنهم نزلاء في حديقة للحيوان يتفرج عليهم الزوار.
وتتاح وحدات سكنية للإيجار للسياح لمدة أسبوع، وهي تمثل صفقة رابحة للزوار، غير أن الضجة التي يحدثها الزوار في حفلاتهم التي تستمر طوال الليل تسبب الإزعاج السكان الأصليين المقيمين في العمارات منذ فترة طويلة.
ويشير الفيلم الوثائقي أيضا إلى الغضب الذي يشعر به بعض أبناء برلين إزاء الأصوات المضجرة والمزعجة التي يحدثها جر حقائب الزوار في الشوارع المرصوفة بالأحجار، وتم رصد عبارات مدونة على جدران المدينة بطريقة الجرافيتي تقول « لا نريد مزيدا من الحقائب «.ومن ناحية أخرى يتسبب السياح السكارى الذين ينتهجون سلوكا غريبا في الشوارع في إزعاج للألمان الذين اعتادوا أن يلزموا بيوتهم عندما يصلون في الشراب إلى حد الثمالة.
غير أن ثمة وجهة نظر مختلفة إزاء ما يمثله تدفق السياح من إزعاج لسكان برلين، فعلى سبيل المثال أجرت مخرجة الفيلم مقابلة مع كاتب يقيم في حي كريزبرج ويدعى هارالد مارتنشتاين ينتقد المتذمرين من أبناء بلدته.
ويتساءل الكاتب قائلا « بأي حق يحتج سكان برلين على تصرفات السياح الذين يزورون كريزبرج ثم يقومون بعد ذلك بتمضية العطلات في كريت؟ «.وتؤكد البيانات الرسمية أن عدد السياح الذين يزورون برلين تضاعف خلال العقد الماضي، الأمر الذي جلب أموالا تحتاجها المدينة بشدة، حيث أن دخول الأسر المتوسطة فيها تعد منخفضة بشكل عام مقارنة بالدخول على مستوى ألمانيا.
ويلتقط فيلم « مرحبا، وداعا « بضعة سياح ليتابع وحلتهم لبرلين أثناء محاولاتهم التي تتسم غالبا بالسذاجة « لاستيعاب « هذه المدينة التي يبلغ تعدادها 4ر3 مليون نسمة.
وأمضت كل من مينهان وهسواني وهما سائحتان من تايوان يومين في برلين، واطلعتا على كتيب للإرشاد السياحي يضم 20 صفحة لتفهم ما به من نصائح ومعلومات، ولا تبدو أي منهما أنها تشعر بالانزعاج من جراء الجولات المتواصلة لمشاهدة معالم المدينة، وتركت البهجة التامة التي تشعران بها انطباعا طيبا لدى كريستيان وهو مرشد سياحي في برلين، ويقوم بدور البطل في الفيلم الوثائقي.
ويساعد كريستيان أيضا إيجور وهو زائر مكسيكي وصل إلى برلين لتمضية يومين لإخراج فيلم، وليس لدى إيجور نص مكتوب للفيلم كما لم يقم بأي بحث حوله، وليس لديه أيضا مساعدون، وهو يعتقد أنه يمكن بسهولة تصوير فيلمه بطريقة عفوية.
ويظهر في فيلم « مرحبا، وداعا « سائح أمريكي محب للحفلات يدعى بول، ويتضح أنه يعرف أماكن كثيرة للمرح في المدينة بأكثر مما يعرفه كريستيان.
وهذا يكشف الالتباس حول من يعرف برلين حقيقة بشكل أفضل، هل هم السكان الذين يعيشون فيها والكثير منهم يعدون من القاطنين فيها حديثا أو الزائرون الذين يقضون فترات قصيرة ويقرأون كل كتيبات الإرشاد السياحي، وربما يكيفون أنفسهم بشكل أفضل مع الأسلوب غريب الأطوار للحياة في المدينة.
ويوحي الفيلم الوثائقي بأنه إذا كنت ساذجا إلى حد ما وتتخيل أنك فنانا، فسوف تكون قادرا على التوافق بشكل تام مع هذه المدينة التي تغير جلدها.
وإذا كانت ثمة ثغرة في هذا الفيلم فهو أنه لا يجري مقارنات مع تجارب لندن وباريس وبانكوك ونيويورك وغيرها من المقاصد الحضرية، التي تعلمت منذ فترة طويلة أن تتحمل متاعب جموع السياح بدون تذمر.
ويبدو أن الألمان لا يزالون مندهشين بشكل حقيقي من أن كون أن لديهم عاصمة راقية على المستوى العالمي يؤدي إلى حدوث تغيير كبير في الحياة اليومية في المدينة.