المدينة المحروقة في إيران رمز تاريخي منسي عبر الزمان

طهران « العمانية»: – المدينة المنسية أو المحروقة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تزال أحد الرموز التاريخية غير المعروفة بسبب انطمارها أو احتراقها بالكامل حيث تعتبر هذه المدينة من أقدم المدن التي عرفها التاريخ ولم يبق منها سوى الهياكل العظمية وأطلال جدار بيوت مهدمة ومحروقة وأسوار مطمورة في الرمل والتراب.عمر هذه المدينة قدره المؤرخون بـ5 آلاف عام على الأقل وتقع «المدينة المنسية أو المحروقة» على بعد 56 كيلومتراً من مدينة زابل في محافظة سيستان وبلوشستان شرق إيران. وتأتي أهمية هذه المدينة الإيرانية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو كون أن تاريخ بنائها يعود الى أكثر من خمسة آلاف سنة مضت أي عندما ظهرت أولى بوادر حضارة وثقافة بشرية قدمت إلى هذه المنطقة التي عرفت فيما بعد بإيران. قامت هذه المدينة قبل3200 عام قبل الميلاد، وكانت مأهولة بالسكان طوال أربع مراحل وحقب تاريخية في الفترة ما بين 3200 و1800 سنة قبل الميلاد، وبني الفناء الأثري للمدينة المحروقة في الألفيتين الثانية والثالثة قبل الميلاد على أيدي من هاجروا إليها. لم يعثر الباحثون أو علماء الآثار حتى الآن على كتب أثرية أو وثيقة تاريخية تتحدث عن الاسم القديم والحقيقي لهذه المدينة التي اشتهرت جراء حريق وقع فيها خلال فترتين تاريخيتين بين 3200 و2750 سنة قبل الميلاد، وعرفت باسم «المدينة المحروقة».

المدينة المحروقة هي من أكثر المدن الأثرية ندرة حيث إن النساء كانت لهن إدارة الشؤون المالية للأسرة، وتدل الاكتشافات الأثرية على أن المدينة تتسع لـ (151) هكتاراً. ويشير ما تبقى من المعالم الأثرية في المدينة المحروقة الى أنها كانت تحتوي على خمسة أحياء سكنية واقعة في الشمال الشرقي، فضلاً عن أحياء تتوسطها، ومنطقة صناعية وأبنية تذكارية ومقبرة، وكلها تقع على شكل هضاب وتلال متتالية مترابطة مما يدل على أن هذه المدينة كانت مركزاً لنشاطات صناعية وفنية متعددة. وأجريت في المدينة المحروقة حفريات أثرية مختلفة، وفي المرحلة السادسة من هذه الحفريات، عثر علماء الآثار على نماذج رائعة من الحلي وآلات الزينة. كما أثبتت أعمال الحفر في مراحلها السابقة أن المدينة المحروقة كانت مدينة صناعية تضمّ معامل عدة لصنع الفخاريات والمجوهرات، وأن سكان المدينة كانوا يستفيدون من الأشجار والنباتات المتوفرة في الطبيعة المحيطة بهم كوقود، وشملت المكتشفات الأثرية في المدينة المحروقة الفخاريات بمختلف أنواعها وأواني حجرية وأدوات حياكة الأقمشة مما يدل على وجود صناعات مختلفة فيها وخاصة النسيج وصناعة الأقمشة التي كانت تشهد تطورا ملحوظاً آنذاك.واكتشف حتى الآن في المدينة المحروقة (12) نوعاً من الأقمشة المحيكة وسنارة لصيد الأسماك، مما يشير الى ان اهالي المدينة كانوا يستفيدون من أقصاب المستنقعات المحيطة ببحيرة «هامون» لصنع السلات والحصائر، اضافة الى بناء أسقف البيوت.

ولأول مرة، تم العثور في المدينة المحروقة على عين اصطناعية تعود الى «4800» سنة مضت، وعثر علماء الآثار على هذه العين الاصطناعية التي كانت قد زرعت في الجهة اليسرى من جسد امرأة يبلغ عمرها ما بين خمسة وعشرين وثلاثين عاماً، في إحدى مقابر هذه المدينة، ورغم مرور فترة طويلة إلا أن العين ما زالت سليمة ومحافظة على شكلها الأول، ولم يحدد حتى الآن نوع المواد المستخدمة في صناعتها، ولكن يبدو أنه تم استخدام الزفت الطبيعي الممزوج بنوع من الدهن الحيواني. كما تم طلاء الجزء العلوي للعين الاصطناعية بأسلاك ذهبية على شكل الشعيرات الدموية داخل العين، ويصل قطرها الى أقل من نصف ملليمتر.

وأحد المكتشفات الرائعة للمدينة المحروقة يؤشر على بوادر علمية طبية تتحدث عن أقدم جراحة أجريت على الدماغ هناك، ويعود تاريخها الى أكثر من (5000) سنة، وقد أجريت هذه العملية الجراحية على جمجمة فتاة تبلغ من العمر اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة، وتم التوصل إلى أن هذه الفتاة كانت تعاني من مرض «هيدروسفالي» وهو تجمع السائل في الجمجمة، مما جعل الأطباء يجرون عملية جراحية على جمجمة الفتاة المريضة ويسحبون جزءا من عظم الجمجمة.وعثر علماء الآثار خلال الحفريات التي أجروها في المدينة المحروقة على مسطرة خشبية مصنوعة من شجرة آبنوس، وهذه المسطرة طولها (10) سنتيمترات وتبلغ دقتها نصف مليمتر، وتشير المسطرة المكتشفة إلى أن أهالي المدينة المحروقة كانت لديهم معرفة وتقدم ملحوظ في علم الرياضيات. كما عثر في مقبرة المدينة المحروقة الأثرية على أقدم طاولة (نرد) في العالم إضافة الى (60) فرزة منها. وعثر علماء الآثار أثناء تنقيبهم في مقبرة تعود الى أكثر من خمسة آلاف سنة على كأس نقشت عليها صورة ماعز وشجرة، وبعد اجراء أبحاث متعددة عليها، توصل العلماء الى أن الفنان أو الرسام الذي جعل من هذه الكأس الفخارية لوحة للرسم، صمم بريشته وانطلاقاً من مهارته ونبوغه، ماعزاً يتحرك باتجاه الشجرة وليتغذى من أوراقها، وذلك من خلال رسم خمس حركات مكررة هادفة، الأمر الذي جعل علماء الآثار يقرّبون هذه الصور الى بعضها البعض لكشف الحقائق التاريخية وغموض بقايا هذه المدينة.