البحر الميت..توأمة تجمع بين التاريخ والاستجمام والسياحة العلاجية

Vorlesen mit webReader

يتمتع بسماء مشمسة على مدار العام .. والأمطار قليلة –

العمانية – على خاصرة أخدود وادي الأردن يستقرّ البحر الميت ليمثّل النقطة الأكثر انخفاضاً على سطح الأرض متميزا بشدة ملوحته ليبلغ تركيز الأملاح فيه تسعة أضعاف تركيزها في البحار والمحيطات.ويُعَدّ هذا البحر الذي رُشّح ليكون أحد عجائب الدنيا السبع الطبيعية (على نطاق البحيرات) في عام 2011 ظاهرة طبيعية نادرة الوجود في العالم، حيث يتكون قاعه من كتلة صخرية من الملح يُعتقد أنها كانت تحت قرى النبي لوط عليه السلام قبل حادثة الخسف المذكورة في القرآن الكريم وخاصة أن صور الأقمار الصناعية لقاع البحر أظهرت ستَّ نقاط يُعتقد أنها كانت تجمعات سكانية وقرى مطمورة بالملح.

ولا غرابة في ذلك فالبحر الميت يقع في منطقة كانت جزءاً من الموطن الأصلي للإنسان الأول ومهبطاً للديانات السماوية المعروفة وعليها نشأت الحضارات القديمة إذ تعود بداية التشكل الجيولوجي له إلى أواخر العصر الثلاثي أي قبل حوالي 3-7 ملايين سنة، وقد تم الكشف عن أكثر من 200 موقع أثري في المنطقة من أبرزها كهف النبي لوط وخربة قمران ونظراً لذلك يعدّ البحر الميت منطقة جذب سياحية على مستوى العالم.

والبحر الميت هو المستقر الأخير الذي تصبّ فيه مياه الينابيع المعدنية الساخنة، كـ«الزهار» و«حمامات زرقاء ماعين» ولا منفذ لها من بعد ذلك حيث تغفو على شواطئه تشكيلات طبيعية مبهرة من الأملاح وتصطبغ صخوره بلون الثلج جرّاء الأملاح المتجمعة عليها وتحفّ شواطئه الشرقية والغربية منحدرات عمودية على شكل أبراج صدعية تشكل جزءاً من الشق السوري الإفريقي.

يتميز البحر الميت بأهمية كبرى في السياحة العلاجية لينفرد بتركيبته الكيميائية التي تختلف عن تركيبة بقية البحار في العالم والتي تتكون في معظمها من أملاح الكبريت والكربونات ومن العجيب أن أملاح الكالسيوم فيه تكاد لا تُذكر والأغرب من ذلك وجود كمية البروم العالية التي تزيد أضعافاً عمّا تحتوي عليه البحار والمحيطات.

وقد عُرفت الفوائد الصحية لأملاح البحر الميت منذ القدم ويقال إن قدماء الملكات من مثل كليوباترا وزنوبيا وملكة سبأ استخدمن ملح البحر لقناعتهن بفوائده العلاجية والتجميلية ويُذكر أن «

هيرودس الكبير» الحاكم العربي على فلسطين إبان الإمبراطورية الرومانية كان يستجم بالبحر الميت وقد بنى هناك خربة مسعدة التي تضم قلعة مرتفعة تشرف على البحر.

وإلى جانب ارتفاع نسبة الملوحة والمعادن في البحر الميت فإن مستوى كلّ من الضغط والأكسجين مرتفع أيضاً مما يجعله من أوائل المقاصد للعلاج والاستجمام في التاريخ لذلك اختارته منظمة الصحة العالمية في عام 2011 كمركز عالمي لعلاج الكثير من الأمراض كالروماتيزم وآلام المفاصل والأمراض الجلدية مثل الصدفية إذ تتم الاستفادة من الخصائص الطبيعية المميزة للمنطقة من دون استخدام أيّ أدوية كيماوية كما يتم إنتاج مستحضرات تجميل مصنوعة من المعادن المستخرَجة من طين البحر.

ولا تتوقف أهمية البحر الميت العلاجية على الأملاح المعدنية في مياهه أو على كثرة ينابيعه الساخنة وإنما أيضاً على هوائه النقي وأشعته الصحية إذ يُعد تركيز الأكسجين في هواء المنطقة، هو الأعلى في العالم وتصل نسبته إلى 36%، علماً أن النسبة العالمية تصل إلى 26%.أما الضغط الجوي فيتراوح بين 796 و799 ملم زئبقي وهي تُعَدّ النسبة الأعلى في العالم أيضاً.

ويتمتع البحر الميت بسماء مشمسة على مدار العام بالإضافة إلى الهواء الجاف وتتساقط الأمطار على المنطقة بشكل قليل يصل إلى نحو 50 ملم (2 بوصة) بينما يبلغ متوسط درجة الحرارة في الصيف بين 32 و39 درجة مئوية وتتراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء بين 20 و23 درجة مئوية كما تنخفض نسبة الرطوبة في الجو وهو ما يجعل من المنطقة ملائمة جداً للاصطياف والاستجمام. أما الإشعاعات الشمسية فلقد دلّت الدراسات على وجود طبقة غنية بالأوزون فوق سطح البحر تصل إلى ارتفاع 25 كيلومتراً ويشكل بخار الماء فوق البحر طبقة كثيفة تقوم بفلترة أشعة الشمس وبخاصة الأشعة فوق البنفسجية لذلك أقيمت الكثير من المنتجعات على شاطئه، كما أنه يحظى بأهمية اقتصادية إذ أُنشئت صناعات كثيرة بالقرب منه مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية.

وتساهم أملاح البحر الميت في تعديل توازن رطوبة الجلد وتنشيط الخلايا وشَدّ البشرة والتخلُّص من تجاعيد الوجه والرقبة وإعادة لون البشرة الطبيعي وإزالة البقع الناتجة من الشمس، كما تعمل بفاعلية على شدّ الترهلات وإزالة التشققات والخطوط الناتجة عن الحمل في منطقة البطن أو تلك الناتجة عن الحمية الغذائية وتعمل أيضاً كمُغَذّ ومرطّب للجلد.

ويمكن للزائر أن يستفيد من هذه الأملاح العلاجية عن طريق الاستحمام في مياه البحر ثم التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية في الصباح الباكر وقبل الغروب يومياً، حيث إن هذا التناوب بين المياه وأشعة الشمس يلعب دوراً مهماً في علاج العديد من الأمراض الجلدية والتهاب المفاصل.

واليوم صار بإمكان الناس الاستفادة من منتَجات البحر الميت وحملها معهم أينما كانوا في تشكيلاتها وأنواعها المختلفة مثل أقنعة الطين للوجه والجسد والأملاح البلّورية التي تُذاب في الماء وكريمات التجميل، والصابون.

يُذكر أن طول البحر الميت يبلغ 37 كيلومتراً وعرضه حوالي 16 كيلومتراً أما انخفاض سطحه عن سطح البحر الأبيض المتوسط فيبلغ 417 متراً بحسب قياسات عام 2003 وأكثر عمق له 401 متر وتصل مساحته الإجمالية إلى حوالي 945 كيلومتراً مربعاً.