محاولة في التفكير الحر والنقد بصوت عال للتحزبات المسكوت عنها بالوسط الثقافي

«ندوة الشللية الثقافية في عمان» بجامعة نزوى أمس –

ضمن البرنامج الثقافي الذي أعدته وزارة التراث والثقافة لفعاليات مهرجان الشعر العماني التاسع، أقيمت صباح أمس بجامعة نزوى ندوة فكرية حول «الشللية الثقافية في عمان»، تحت رعاية سعادة الشيخ الدكتور خليفة بن حمد السعدي محافظ الداخلية، وحضور سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة، والضيوف المشاركون في المهرجان، أدار الندوة عاصم بن محمد السعيدي مدير المهرجان، وشارك فيها ثلاثة من الباحثين والكتاب العمانيين الشباب، وهم: حسين العبري وهدى حمد وعلي بن سليمان الرواحي، كل منهم بحث الموضوع من الزاوية التي يشتغل منها، وكانت البداية للدكتور حسين العبري الذي ألقى ورقة بعنوان «التحزبات سيكولوجيا»، أكد فيها أن كلمة «الشللية» تستخدم عادة بالمعنى السالب، فالشللية لغة ليست سالبة ولا موجبة بل متعادلة، والمعنى المتداول لها: الشلة بما تحدثه من مساوئ على الأفراد في الشلل الأخرى، وما تجلبه من مصالح لأفرادها، لذلك الكلمة الخالية من الدلالات السيئة أو الإيجابية والتي يمكن تفحصها من وجهة نظر نفسية، هي: المجموعة.

وقال أيضا: إن الحديث عن الشللية يمكن أن يفهم ضمن مصطلحات علم النفس الاجتماعي بالحديث عن المجموعات والتفاعل فيما بينها.


التحيز والتنميط والتميز


ودخل العبري في بعض التعريفات تتعلق بالشللية، كالتحيز والتنميط والتميز، وأرجع الباحث فكرة الشلليلة إلى التفكير الفئوي، وهي نزعة الفرد إلى وضع الناس في مجموعات أو فئات، ومن ضمنها التفكير الطبقي

وأكد الباحث في سياق ورقته أن التحيز له عدة أسباب، الأول هو وجود اتصال أقل بين الفرد ضمن مجموعة معينة مع الأفراد في المجموعة الأخرى، والثاني أن الفرد ينظر إلى مجموعته باعتبارها مجموعة من أشخاص، بينما ينظر للمجموعة الأخرى بشكل تجريدي، أي يلقي عليهم صفات تجريدية غير شخصية.

أما السبب الثالث فهو أن للفرد دوافع أكبر في معرفة الاختلافات الدقيقة بين افراد مجموعته، ذلك لأنه سيحتاج إلى هذه الاختلافات في التعامل معهم مستقبليا.

كما تحدث عن نزعة الميلان باتجاه المجموعة، حيث قال الباحث: إن الأبحاث تشير إلى أن المشاعر الإيجابية تكون محفوظة للمجموعة، مشاعر الاعجاب والتعاطف والثقة، ويمكن أن يثار ميلان المجموعة بإجراءات بسيطة جدا، حتى لو كان نشوء المجموعة حدث صدفة، فحين يثار ميلان المجموعة: ينظر إلى المجموعة باعتبارها أفضل عن المجموعات الأخرى، ويحاول الأفراد الحفاظ على مصالح المجموعة وتعزيزها.

وخلص الباحث إلى وضع بعض الآليات للتقليل من التحيز والتنميط والتعصب، ومنها، التعاطف، وهو أن تكون أكثر تعاطفا مع المستهدف من تحيزك وتعصبك، وكيف يمكن أن أشعر لو كنت في مكانه؟ كيف يشعرون الآن؟ لماذا يتصرفون بتلك الطريقة؟، وكذلك إيجاد القوانين والتنظيمات والمعايير الاجتماعية الضابطة، وتعريف الناس بالتناقض في تفكيرهم التعصبي، وتعريف المجموعات بعضها ببعض.


هل الشلّة الثقافية حالة سلبية؟


وقدمت الزميلة هدى حمد ورقة بعنوان «اتسع الخرق على الراقع»، قالت في استهلاله: إنه في موضوع حيوي وشائق كالشللية الثقافية، التي يُختلف حولها كثيرا، بل إنّها تغدو مدخلا جيدا لالتباسات وصدامات ومُؤاخذات، وأكثر من هذا قد تؤدي إلى حساسيات عميقة، أظن أنّه يجدرُ بنا أولا أن ننطلق من هذا السؤال الملح: هل بالضرورة أن تكون الشلّة الثقافية حالة سلبية؟ حالة غير منتجة وغير فاعلة، وداحضة لأي فكرة خيرة؟

وأضافت: نحن للأسف بمجرد ما أن نسمع هذا المصطلح «شلّة» نأخذُ انطباعا مباشرا بوجود حالة غير سوية، بالرغم من أننا نستطيعُ أن نثبت العكس. بمعنى أنّه توجد شلل ثقافية -إن صح القول- في العالم بأسره، جمعتها الرؤية والأهداف المشتركة والتلاقي في بؤر التفكير العميقة، وقد استطاعت عبر هذه الفرادة النوعية أن تنتج أعمالا مُلفتة بقيت لزمن طويل في الذاكرة، والأدلة حول ذلك كثيرة وسنأتي على ذكر بعضها.

ومن جهة أخرى «الشللية» ليس بالضرورة أن تنفي فكرة الاختلاف المعرفي في ظل الوعي بالاختلاف كإضافة نوعية وجادة للشلّة الواحدة، فالاختلاف لا ينتقص من وحدتها، ولا يُمزق أواصرها المتينة، بل يبثُ فيها التكاملية والرؤية الشاملة التي تجعل النتاج متحليا بعمق إضافي.

ولكن يعوز ربما الكثير من «الشلل» أن تطرح على نفسها هذه الأسئلة، وأن تعي نقاط فرادتها، وإمكانيات عطائها. لأنها – أي الشلل- للأسف الشديد غالبا ما تُبقي نفسها في موقع دحض تهمة «الشللية» عنها، لأنّها أصلا لا تملك الشجاعة الكافية لتعترف بوجود احتمالات لأن تكون «الشلة» نواة جيدة لمشاريع ثقافية مهمة، وإن كانت ذات طابع نخبوي عادة، وبعيدة عن الطراز الشعبي.


الوجه القبيح للشللية


وتحدثت عن الوجه القبيح للشللية، وبدلا من أن تشتغل كل واحة منها على مشروعها الخاص، نجدها تجتهد أيما اجتهاد للإيقاع بالفرق الأخرى، وتبذل قصارى جهدها لتقزيم أدوارها وتوجهاتها، وهذه العملية المتبادلة والمستمرة والمُنهكة التي تزاول المحو والهدم والإلغاء.. ماذا عساها تفعل أكثر مما يقول الشاعر: « كنا نداريها وقد مزقت.. اتسع الخرق على الراقع».

يحدث أحيانا أن نجد مجموعة من الضيوف يتكرّرون في برامج التلفاز وفي برامج الإذاعة، كما نجد مجموعة من الكتاب يتكررون في الصحف والملاحق والمجلات. فأول ما قد يطرأ في أذهاننا أن هذا الأمر يحدث لأن المذيع الفلاني يستضيف سين من الكتاب لأنه صديقه ويحبه ومن شلته. كما أن سين من المحررين ينشر لصاد من الكُتاب لأمر مُشابه، أحيانا يكون الأمر حقيقيا، بسبب برجماتية قذرة تتحكم بالموضوع، والمصالح تصبح هنا على حساب كل شيء.

ولكن السيناريو الثاني يقترح علينا نظرة أخرى للأمور، إذ يحدث ذلك لأن هذا الشكل من الكتابة يتلاءم مع هذا المطبوع ورؤيته، يتلاءم مع هذا النوع من البرامج، وهو لا يرغب أي «الإعلامي» أن يُقدم مستوى أقل من هذا، أو لنقل مستوى مختلف عن التوجه العام، وبالتالي يقع كثر من الإعلاميين في شرك تهمة «الشللية» القاتلة.

أما السيناريو الثالث والذي يحدث غالبا بسبب أن سين وصاد من الكتاب يشعرون برغبة في الكتابة والظهور الإعلامي ولديهم وفرة من النتاج ولديهم رغبة ووقت كاف للتحدث، بينما عين وفاء وقاف وغيرهم، إنتاجهم قليل عادة، أو أنّ رغبتهم في الظهور الإعلامي قليلة، حتى وإن كانوا يملكون الطرح الثقافي الجيد. وبالتالي يتورط الإعلامي لأن الساحة العمانية أصلا لا تقترح لنا غزارة في الأسماء المشتغلة على الثقافة، وبالتالي يكون أمام خيارات ضيقة ومكررة تعزز التهمة أكثر فأكثر.

وخلصت في محاضرتها إلى أن الشللية ليست بالضرورة نمطا مرفوضا، وعلينا أن لا نقصي الشلل لأنها سياق طبيعي، علينا أن نُحاكم نتائج الشلل وما تفرزه مستقبلا، ولست في موضع تبرئة الإعلام من الشللية السيئة، ولكن إلى الآن نحن نملك منابر نشر كثيرة وعالية مقارنة بعدد الكُتاب، الملاحق الثقافية متوفرة في أغلب الصحف، والمجلات، حتى الخيارات الالكترونية فتحت نوافذ أوسع للنشر، فعذر «الشللية»، لا أظن أنه عذر قوي أمام مادة حقيقية ورصينة.


الشللية الثقافية برؤية فكرية


وتناول الباحث علي بن سليمان الرواحي موضوع الشللية الثقافية برؤية فكرية، ولذلك حملت ورقته عنوان (محاولة للتفكير)، حيث يرى ان الشللية تختلف بشكل كبير عن التحالفات الاقتصادية أو السياسية أو غيرها، تلك التي نراها تزدهر وتتكاثر يوما بعد يوم، ذلك أن هذه التحالفات قد قامت في أساسها على هدف نفعي مشترك من جهة، وقامت أيضا بشكل علني وواضح لجميع الأطراف المتفقة والمختلفة من الجهة الأخرى، في حين أن الشللية تهدف لتحقيق الكثير من الأغراض الخاصة، وتتخذ الجانب السري وغير المعلن، كموئل للتخيط للكثير من الأهداف الخاصة. كما إنها تختلف عن الأحزاب بالمعنى السياسي التي تهدف أيضا وبشكل علني إلى القيام بتغيير سياسي عمومي من الممكن مناقشته، وتعديل افتراضاته، وتوجهاته، كما يقتضيه السياق العام.

وفي حديثه عن الشللية والمؤسسات الحكومية، قال الباحث على الرواحي: إن الشللية ليست شأنا ثقافيا صرفا، بل تمتد لتصل في الكثير من الأحيان إلى المؤسسات الرسمية والخاصة، المؤسسات الحكومية هي بنت المجتمع، تتصف بالكثير من الصفات المجتمعية، كالمحسوبية والمحاباة وغيرها، والتفضيل هنا لا يقوم على اساس موضوعي أو نفعي للمجتمع، يتم فيه احتساب الجدوى الاقتصادية للفكرة أو المشروع، بل يقول لرفع بعض الأشخاص والأسماء دون البقية.

وتحدث عما أسماه بالشللية ومعيار الإنتاج، حيث يعتبر الانتاج أحد المعايير التي عن طريقها نتمكن من قياس جودة واتجاه هذا القطاع، فهو عامل مهم من عوامل الحيوية المباشرة والواضحة للمتلقي العمومي، وسنأخذ معيار النشر الذي يعبر عن الحيوية التي يتمتع بها القاطع الثقافي، ولكن في الفترة الأخيرة أصبحنا أمام سيل متدفق يشبه الفيضان، بحيث إن الجميع مع اختلاف مستوياتهم قد أصبح له إصدار، وهو إنتاج لا يخلو من مزالق ومطبات، كسيطرة الاشتغالات التقليدية على المشهد، الأمر الذي أجبر بعض المثقفين البحث عن دور النشر الخارجية غير العمانية، وهذا يمثل هروبا من الداخل العماني، الذي يعاني من الإقصاء للكثير من الأسماء والأقلام التي آثرت الاستقلالية الفكرية.

وفي ختام الندوة قام بعض الحضور بمداخلة المحاضرين، وطرحت العديد من الأفكار التي وافقت بعض الأفكار المطروحة في الأوراق، وخالفتها في أفكار أخرى.