الأسواق المالية ليست “نزهة استثمارية”

محمد بن أحمد الشيزاوي –

shfafiah@yahoo.com –

دهشت كثيرا من تشبيه البعض – خلال الأزمة الحالية لأسواق النفط – ضخَّ سيولة إضافية في سوق مسقط للأوراق المالية بأنه أقرب إلى “القمار” منه إلى الاستثمار، وأن الأموال التي سيتم ضخها سوف تتبخر عما قريب وأن المستثمر لن يحقق أي مكاسب من هذه الاستثمارات.

ومع أن الاستثمار في أسواق الأوراق المالية هو من أكثر الاستثمارات مخاطر خاصة في أوقات الأزمات كالوقت الراهن، لكن في الوقت نفسه هناك العديد من الحقائق علينا أن نناقشها قبل أن نصدر أحكامنا على الاستثمار في أسواق الأوراق المالية، وهذه الحقائق يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولا: ان الأسواق المالية مرآة للاقتصاد الوطني قبل كل شيء، فنجدها قوية ومنتعشة عندما يكون الاقتصاد قويا وقادرا على تحقيق نمو متواصل، ونجدها ضعيفة عندما يفقد الاقتصاد الوطني محركات النمو، ولعل هذا يفسّر التراجع الكبير الذي تسجله سوق مسقط للأوراق المالية أيام الأزمات، كما تفسّر الصعود الطفيف عندما تقفز الأسواق.

وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن المطلوب من المسؤولين المعنيين بالاقتصاد أن يكونوا حذرين في تناولهم لما تشهده الساحة المحلية أو الدولية من متغيرات خاصة إذا كانت هذه المتغيرات سلبية، وفي أحيان كثيرة تكون ردود الأسواق عليها مبالغا فيها وهو ما حدث بالفعل أثناء مناقشة مجلس الشورى للموازنة العامة للدولة للعام المقبل والتي تزامنت مع هبوط أسعار النفط، فتضاعفت الخسائر حتى أصبح المستثمرون يعرضون أسهمهم للبيع بأي سعر كان وهو ما جعل سوق مسقط للأوراق المالية تفقد حوالي (1.5) مليار ريال عماني خلال أقل من شهر، في حين أن التطمينات التي جاءت عقب ذلك دفعت المستثمرين إلى تقليص العرض وهو ما أعاد للسوق جزءا من خسائرها.

ثانيا: ان الصناديق السيادية والصناديق الاستثمارية الموجودة في البلاد عليها أخذ زمام المبادرة في المحافظة على سوق الأوراق المالية من “الانهيار”، لأنها بكل بساطة أحد أبرز المستثمرين فيها وإذا انهارت الأسواق فإنها بالتأكيد ستكون الخاسر الأكبر، وعلى هذا فإن الصناديق مطالبة بتقليص العرض خلال فترة الأزمات والسعي لامتصاص موجات البيع، وقد لاحظنا أن بعض الأسهم شهدت هبوطا دراماتيكيا من (220) بيسة مثلا حتى وصلت إلى نحو (120) بيسة خلال أقل من شهر ثم عادت إلى الصعود مرة أخرى، وإذا كان هذا هو الحال فما الذي يدفع الصناديق والشركات الاستثمارية الكبرى إلى بيع أسهمها بخسارة؟ وفي الوقت نفسه ما الذي يمنعها من شراء الأسهم التي هبطت بشكل كبير؟.

ثالثا: الثقة في الاقتصاد وقدرته على مواجهة الأزمات ينبغي أن يكون حاضرا لدى المحللين في الصناديق والشركات الاستثمارية، وهذه الثقة في نظرنا هي التي أعادت سوق مسقط للأوراق المالية إلى الصعود مرة أخرى وهي التي جعلت أولئك الذين اشتروا الأسهم في ذروة هبوطها يحققون أرباحا جيدة في حين أن عدم الثقة هو الذي كبّد العديد من المستثمرين خسائر كبيرة.

رابعا: علينا تحديد هدفنا من الاستثمار قبل شراء أي سهم، فإذا كان هدفنا تحقيق أرباح سريعة فإننا في هذه الحالة قد نكون مقامرين لأن بعض الأسهم التي تصعد بسرعة لا تلبث أن تهوي بسرعة أيضا، ولكن إذا كان استثمارنا مبينا على النتائج المالية والعائدات المتوقعة فإن استثمارنا سيكون مجديا، وعلينا أن ننظر إلى الأرباح التي يتم توزيعها سنويا قبل أن ننظر إلى موجة الهبوط أو الصعود التي تشهدها الأسواق.

خامسا: إن أهداف أسواق الأوراق المالية ليست مجرد بيع الأسهم وشرائها وإنما أكبر من ذلك، فهي وعاء استثماري لتمويل العديد من المشروعات، فالشركات تستطيع توسعة أعمالها بطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام وهو ما يجعل سوق الأوراق المالية محركا رئيسيا لنمو الاقتصاد الوطني.

وانطلاقا من هذه الحقائق فإننا نرى أن المرحلة الحالية تتطلب مزيدا من الثقة في أسواق الأوراق المالية وقدرتها على تحقيق النمو للاقتصاد الوطني، أما عندما نعتبر السوق لعبة أو “نزهة استثمارية” فإننا سوف نساهم في زيادة الخسائر ليس للاقتصاد الورقي فقط وإنما أيضا للاقتصاد الحقيقي الذي يشهد بشكل دائم دماء جديدة من الشركات والموظفين.